لقد أجريتُ خلال سنوات عملي مئات، إن لم يكن آلاف، المقابلات مع أشخاصٍ مرشّحين للعمل في مجموعات مختلفة من المجالات، والمناصب، والبلدان، وقد كان ثمَّة عدد لا يُحصى من اللّحظات الجيّدة والسيئة التي لا يمكن أن أنساها، لهذا السبب يسرني أن أقدم لك أفكاراً حول الأمور التي أبحث عنها حينما أجري مقابلاتٍ مع المرشحين للعمل.
أستطيع عادةً الحصول على فكرةٍ وافية عن الشخص الذي أوشك أن أقابله من خلال إلقاء نظرة أولية على السيرة الذاتية للمرشح، ولكن في أثناء المقابلة يصبح كل شيءٍ متعلقاً بالاستعداد والسلوك الإيجابي والإمكانات، وبالنسبة إليّ، يعتمد النجاح في المقابلة على اجتماع عدّة أشياء – كلامية وغير كلامية – يمكن اختصارها جميعاً في كلمة واحدة: الثقة.
فالثقة هي أن يكون لديك لغة جسد معبِّرة ومتفاعِلة – فتجلس وظهرك مستقيم وتمنح انتباهك بأكمله إلى الشخص الذي يُجري معك المقابلة – كما يُعَدّ التحدّث بثقة عن الخبرة التي تمتلكها وإظهار الشغف الذي لديك أمرين أساسيَّيْن. وتُسْهِم معرفة الشخص لكيفية تأطير الأسئلة وطرحها بطريقةٍ تمنحه الأفكار التي يحتاج إليها لاتّخاذ قرار مدروس حول المستقبل إسهاماً كبيراً كذلك في بناء هالة من الثقة حول الشخص.
فدعنا نلقي نظرةً على بعض الهفوات التي تحصل في أثناء المقابلات وتكشف مباشرةً الافتقار إلى الثقة ونقدِّم لك نصائح لتجنُّبها:
1- "إذاً أنتم تعملون في مجال التكنولوجيا..." أو "إذاً أنتم أحد رواد التكنولوجيا، أليس كذلك؟":
إذا كان جليَّاً أنَّ الشركة التي تُجري المقابلة معك تعمل بالفعل في مجال التكنولوجيا فأنت لم تقل أيَّ شيءٍ ذكي، وما تقوم به هو إجراء حديث تافه لا معنى له، وقد يضع إلقاء عبارات كهذه الشخص الذي يُجري المقابلة معك في وضعٍ دفاعي – وتحويل هذه العبارة إلى سؤال يُظهِر افتقارك إلى الثقة فيما قلت وحاجتك إلى مصادقة الشخص الذي يجري معك المقابلة على ما تقول. وهذا يعني إمَّا أنَّك متوتر، وإمَّا أنَّك لم تقم بما كان ينبغي عليك أن تقوم به في المنزل من عمليات بحث، وإمَّا الأمرين معاً، فتجنَّب ذلك بأي ثمن.
2- "ما الذي تقوم/ يقوم به تحديداً هذه/هذا الشركة/القسم":
البحث عن إجابة عن هذا السؤال هو جزءٌ من عملية البحث التي يجب عليك أن تقوم أنت بها، إذ يجب على الأسئلة التي تطرحها أن تُظهر أنَّك بذلت وقتاً للقيام ببعض عمليات البحث الأساسية حول الشركة والمنصب، فجرِّب عوضاً عن ذلك طرح أسئلة عن المشاريع التي يشارك القسم فيها في الوقت الحالي أو عن التحدّيات التي تواجهه بهدف تسليط الضوء على القيمة التي يمكنك أن تقدمها.
3- "لماذا ترغبون في إجراء المقابلة معي؟" أو "ما أكثر ما أعجبكم عند قراءة سيرتي الذاتية؟":
سيقرأ أيُّ شخصٍ ماهرٍ مسؤولٍ عن إجراء المقابلات سيرتك الذاتية وسيكون لديه فكرة عن الأشياء التي تجعلك مُرشّحاً جيّداً، ولكنَّه لن يكشف لك على الأرجح ما يجول في عقله، فعوضاً عن طرح مثل هذه الأسئلة كُن مستعدّاً للإجابة عن أسئلة من قبيل "ما الانطباع الذي تعتقد بأنَّ سيرتك الذاتية تركته لدينا عنك؟".
4- "ما المهارات التي تعتقدون أنَّ في استطاعتي أن أضيفها إلى هذا المنصب؟":
حينما يُطرَح السؤال بهذه الطريقة فإنَّه من الصعب أن يُظهِر للأشخاص المسؤولين عن إجراء المقابلة المهارات التي تتمتّع بها، وهو الأمر الذي لا يجب أن يسير على هذا النحو. فكُن عوضاً عن ذلك مستعداً للحديث عن مهاراتك وربطها مع المتطلّبات المذكورة في وصف العمل، وجهّز رسالةً توصلها إلى المسؤول عن إجراء المقابلة حينما يقول لك: "حدِّثنا عن نفسك" أو حينما يتحدّث عن أي فكرةٍ أخرى.
5- "هل سأكون مناسباً للفريق؟":
لا يُعَدّ هذا السؤال سيئاً إذا احتفظت به في عقلك – ولكنَّه ليس من الأسئلة التي تُطرَح في مقابلات العمل. ومن الأسئلة الأخرى التي يمكن أن تطرحها على نفسك قبل المقابلة أو بغرض التفكير لاحقاً: هل ثقافة الشركة تتماشى مع قيمك؟ وهل يمكنك مواكبة وتيرة العمل؟ وهل هؤلاء الموظفون من أنواع الموظفين الذين ترغب في العمل معهم؟
6- "أنا سيءٌ في....":
لا تُضرَّ بنفسك، فكُن متواضعاً دون أن تنتقص من قيمة نفسك، وعوضاً عن تركيز الاهتمام على نقاط الضعف أعد صياغتها فتحدّث عن المجالات التي ترغب في تطويرها واسأل عن فرص التدريب في الشركة.
7- "أنا بارعٌ في...":
يمكن لعباراتٍ كهذه أن تُضرَّ بك أيضاً، فإذا ادَّعيت بأنَّك خبيرٌ في كل شيء سيترك هذا انطباعاً بأنَّه لا يوجد ما يمكن لصاحب العمل المحتمل أن يعلمك إيَّاه. في حين تُعَدُّ الرغبة في التعلّم من الميّزات التي يبحث عنها الأشخاص المسؤولون عن إجراء مقابلات العمل.
8- "أنا متحمسٌ/ مبتهجٌ/ أشعر بشغف تجاه... جداول البيانات":
قد لا يكون ثمَّة حدود للشغف الذي تشعر به تجاه استخدام برنامج الإكسل، ولكن كُن واضحاً إزاء الأمور التي يكمن شغفك الحقيقي فيها لا الأمور التي تعتقد أنَّ الشخص الذي يجري معك المقابلة يريد أن يكمن شغفك فيها، وجهّز الرسالة التي تريد أن تتركها خلفك بعد انقضاء المقابلة. وربما يكون شغفك الحقيقي له علاقة بالمنظمة – فقُل ذلك وقدم أمثلةً عن حالات قلبت فيه الفوضى إلى وضعٍ تحت السيطرة.
9- "أنا معجبٌ بالمدونة التي تكتب فيها عن .....":
إذا كنت تنوي استعمال هذه العبارة فعدِّلها واذكر السبب الذي يجعلك معجباً بها أو ما الذي تعنيه بالنسبة إليك، إذ ربما أوقدت المدونة شرارة فكرةٍ إبداعيةٍ تريد أن تتحدّث عنها. خلافاً لذلك ستكون مثل هذه العبارات مؤشراً آخر على التوتر – ومحاولة يائسةً لجعل الشخص الذي يجري المقابلة يقف إلى جانبك.
10- "حينما عملت في الشركة "س" لم أكن أحبّ النهج الذي يتّبعونه في التعامل مع "ع". فكيف هو منهجكم في التعامل مع "ع" هنا؟":
احذر من أن تتمحور الأسئلة التي تطرحها حول تجارب سلبية تمرّ بها مع أصحاب العمل الحاليين أو مررت بها مع أصحاب العمل السابقين، وحافظ على الإيجابية والاحترام وكن مَرِحاً، واكتفِ عوضاً عن ذلك بأن تسأل: "ما نهجكم في التعامل مع ع؟".
11- "ليس لديَّ ما أجيبك به":
إنَّ رحلة إجراء مقابلة العمل ليست رحلةً هيِّنة – فلا تتوقع منها أن تكون كذلك – إذ إنَّ الشخص الماهر المسؤول عن إجراء المقابلة سيطرح عليك أسئلةً مفاجِئة، فهُو يريد أن يرى كيف تفكِّر. فإذا أصابك الجمود لن يكون هذا وضعاً مثالياً، ولكن إذا كنت بالفعل لا تملك إجابةً في الوقت الحالي أخبر المسؤول عن إجراء المقابلة أنَّك ستعود إليه بالجواب في وقتٍ لاحق – وإذا قلت ذلك تأكَّد من أن تفعل مثلما قلت.