نحن جميعاً نحلم أن تكون حياتنا أفضل، ولكن دوافعنا هي القوة المحرِّكة التي تجعلنا نعمل باستمرار لتحويل هذه الأحلام إلى حقيقة، وبالرغم من أنَّنا نسعى جاهدين لتحقيقها، لكن قد تكون هذه الدوافع عابرة بالنسبة للكثير منا؛ فتارةً تظهر وتارةً تختفي، وغالباً ما يكون للدافع المتقلب تأثير سلبي في إنتاجيتنا.
لطالما كان علماء النفس مذهولين بالسلوك البشري وطوَّروا نظريات تحفيزية مختلفة حول ما يدفع البشر إلى التصرف بطريقة معينة؛ لذا دعونا نُلقي نظرة على كيفية استخدام نظريات التحفيز لزيادة إنتاجيتنا:
1. نظرية العامِلَيْن لفريدريك هيرزبرج (Frederick Herzberg):
يوجد علاقة وثيقة بين الرضا الوظيفي والإنتاجية في العمل؛ فكلما كان هناك درجة عالية من الرضا، أدى ذلك إلى زيادة الإنتاجية؛ لذا فكِّر في الأمر: إذا كان عملك يمنحك إحساساً بالسعادة والرضا بدلاً من التوتر، فهل ستشتكي منه أو تقوم بالمماطلة؟ إذاً، السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا هو: "ما الذي يجعلنا نشعر بالرضا؟".
تشرح هذه النظرية نوعين من العوامل التي يمكن استخدامها لتنظيم مستويات الرضا وعدم الرضا، وهي العوامل الصحية (الأساسية) والعوامل المُحفِّزة. تعد العوامل الصحية الحد الأدنى من الجوانب الأساسية التي تؤدي إلى الرضا، وفي حين أنَّ وجودها لن يؤدي إلى الرضا الكامل، إلا أنَّ غيابها يعدُّ عاملَ تثبيط وإحباط؛ وتشمل هذه العوامل الأساسية كلاً من الدخل المادي، والأمن الوظيفي، والاحتياجات الاجتماعية، وبيئة العمل.
ما هي العوامل الأساسية لتعزيز إنتاجيتك؟
1. الدخل المادي:
يعد الحصول على أجر منخفض بمثابة القاتل الصامت للرضا الوظيفي؛ فإذا كنت تشعر باستمرار بالتقليل من قيمتك أو أنَّك لست من الأشخاص الهامِّين في العمل، فقد يكون أجرك هو المشكلة.
راقب نفسك في يوم عمل منتظم وقيِّم ما إذا كان نقص دافعك للعمل ينبع من عدم حصولك على الأجر الذي تستحقه؛ فإذا كان الأمر كذلك، فقد حان الوقت لتتشجع وتطلب علاوةً أو تعيد التفاوض بشأن أجر عملك، حتى تشعر بأنَّك تتقاضى ما يتناسب مع وقتك وطاقتك وجهودك.
2. بيئة العمل المناسبة:
يجب أن تكون بيئتك مواتية لإنتاجيتك، سواء كنت تعمل من المكتب أم المنزل، لذا اختر مكاناً يمكنك العمل فيه دون انقطاع، ورتِّب مكتبك وزيِّنه كما تحب، واضبط الأجواء المناسبة كي تباشر العمل بمجرد دخولك إليه.
3. احتياجات التواصل الاجتماعي:
سواء كنت شخصاً انطوائياً أم منفتحاً أم متردداً، فإنَّ بناء علاقات متناغمة هو المفتاح لتطوير حالة ذهنية صحية.
4. الأمن الوظيفي:
لا يمكن أن تكون منتجاً أو متحمِّساً إذا كنت لا تشعر بالأمان في وظيفتك، فإذا كنت أنت رب العمل، فتأكد من ازدهار ونجاح موظفيك، أمَّا إذا كنت موظفاً، فتواصل مع مشرفك لتتناقش معه حول دورك ومنصبك في العمل ورؤية الشركة لكسب الثقة والحصول على منصب أعلى.
ما هي العوامل المُحفزة؟
بمجرد تحقيق العوامل الصحية أو الأساسية، يحدد هيرزبرج مجموعة أخرى من العوامل تسمى "العوامل المُحفزة"؛ وهي التي تساعد الأفراد على رفع مستوى أدائهم وتحفيزهم على العمل بجدية أكبر.
فيما يلي بعض الأمثلة على العوامل المحفزة:
-الانخراط في عمل هادف: نحن نصبح أكثر إنتاجية إذا كنا نؤمن بما نقوم به، لذلك ابحث عن هدف لما تفعله واجعله واضحاً، فهذه هي الطريقة المثلى لزيادة إنتاجيتك.
-الاحتفاء بالإنجازات: نحن نغفل في كثير من الأحيان عن الاعتراف بإنجازاتنا والاحتفاء بما حققناه احتفاءً صحيحاً؛ حيث إنَّ القيام بطقوس بسيطة في نهاية اليوم بغرض الاحتفاء بإنجاز مهامك، يمكن أن يحفِّزك على العمل بجدية لتحقيق إنجازات أكبر.
-تحديد مكافآت: نحن طموحون بطبعنا، ومعرفة المكافآت التي ستحصل عليها مقابل العمل الذي تقوم به يمكن أن تكون طريقة رائعة للاستمرار بالعمل؛ حيث يمكن أن تكون المكافآت عبارة عن رحلة ترفيهية إلى بلدٍ آخر عندما تحقق هدفاً معيناً في العمل، فقد يكون تحديد المكافأة وتصورها طريقة رائعة لزيادة الإنتاجية ولبقائك متحفزاً.
إنَّ محفزات اليوم هي الأساسيات للغد؛ وذلك لأنَّ العوامل الصحية تتوقف عن التأثير في السلوك بمجرد تحقيقه؛ لذلك بينما تتقدم في العمل، أنت تحتاج إلى تطوير العوامل المحفزة لتزويدك بالدافع الذي يجعلك تستمر في العمل يوماً بعد يوم.
2. هرم ماسلو للاحتياجات:
يعد هرم ماسلو للاحتياجات أحد أشهر نظريات التحفيز تداولاً؛ حيث تستند نظريته على حقيقة أنَّ لا شيء يحفزنا أكثر من احتياجاتنا الخاصة.
تُقسَّم حاجاتنا بطريقة هرمية من الأسفل إلى أعلى، وبمجرد أن نُلبِّي مستوى معين من الحاجات، فإنَّه سيفقد أهميته على تحفيزنا ويصبح المستوى التالي هو العامل المحفز.
تشمل مستويات الاحتياجات الخمسة، وفقاً لأبراهام ماسلو (Abraham Maslow)، ما يلي:
-الحاجات الفيزيولوجية: وهي الحاجات الأولية والأساسية لأي إنسان للبقاء على قيد الحياة من الغذاء، والمأوى، والهواء، والماء، وما إلى ذلك، وهي الأكثر أهمية؛ وذلك لأنَّ جسم الإنسان لا يمكنه العمل على النحو الأمثل ما لم تُلبَّ.
-حاجات الأمان: بعد إشباع الحاجات الفيزيولوجية، تظهر الحاجة إلى الحماية والأمان، ومن الأمثلة عليها الأمن العاطفي، والأمن الوظيفي، والصحي، والمعنوي، والحماية من الخطر الجسدي، وما إلى ذلك. تتطلب تلبية هذه الاحتياجات مزيداً من المال، وهذا بدوره يحفز الفرد على العمل بجهدٍ أكبر.
-الحاجات الاجتماعية: بعد إشباع الحاجات الفيزيولوجية والأمان، تظهر الطبقة الثالثة وهي الحاجات الاجتماعية، وتشمل الصداقات والحب والثقة والشعور بالانتماء سواء إلى مجتمع صغير أم كبير، وهذه أمور أساسية لحياةٍ أفضل.
-حاجات التقدير: وهنا يحتاج كلٌّ منا إلى تحقيق المكانة الاجتماعية المرموقة والشعور باحترام الآخرين له والإحساس بالثقة والاعتراف بقدراته وبالقيمة التي يستحقُّها.
-الحاجة إلى تحقيق الذات: بمجرد تلبية جميع الاحتياجات الأخرى، تظهر الحاجة إلى تحقيق الذات، وهي أعلى طموح روحي؛ حيث يمكن للإنسان أن يُعظِّم استخدام قدراته ومهاراته ليصبح أفضل نسخة من نفسه، وقد قدَّر ماسلو أنَّ 2٪ من الناس فقط سيصلون إلى حالة تحقيق الذات هذه.
كيف يزيد التسلسل الهرمي للاحتياجات لماسلو من إنتاجيتك؟
وفقاً لتسلسل هرم ماسلو للاحتياجات، يكون أدنى مستوى من الاحتياجات غير المُشبعة هو الدافع الرئيس للسلوك؛ لذلك حدِّد حاجاتك غير المشبعة في هرم ماسلو، واتخذ خطوات نحو إشباعها حتى تتمكن من تحقيق ذاتك في نهاية المطاف.
ابدأ وضع خطط ملموسة لتلبية احتياجاتك الأساسية كالسلامة والأمن المالي، ثمَّ ابحث عن الحب والانتماء، وإذا كان لديك أشخاص يشابهونك في التفكير، تواصل معهم، أو ابحث عن أشخاص جدد وكوِّن علاقات معهم، سواء في النادي الرياضي أم في جلسة يوغا، أم في أي مكان آخر؛ وكن جزءاً من المجتمع وانخرط مع الآخرين في محادثات عميقة ومفيدة.
ومن أجل حاجات تقدير الذات، قيِّم حياتك وما إذا كنت تعيشها عيشاً هادفاً؛ فإذا كانت حياتك المهنية في ركود، ابحث عن فرص عمل أكبر، وإذا كانت حياتك الشخصية تبدو وكأنَّها بلا هدف، تواصل مع صديق لترى كيف يمكنك تقوية علاقتكما وجعلها هادفة لكليكما.
عندما تُلبِّي كل هذه الاحتياجات، فإنَّ الموضوع الأهم هو إيجاد المغزى والهدف في الحياة؛ حيث يخوض الناس تجارب مميزة وفريدة من نوعها؛ فما تراه عملاً هادفاً وذا مغزى قد لا يكون بالأهمية نفسها بالنسبة إلى الآخرين؛ لذلك كي تجد هدفك عليك أن تجد مجال العمل الذي ترغب به، وقد يساعدك التأمل على تحديد ذلك بنفسك أو يمكنك العمل مع كوتش للعثور على أهدافك الحقيقية ورسم الطريق نحوها بنفسك.
3. تأثير هوثورن (Hawthorne Effect):
تشير هذه النظرية إلى وجود ميل لدينا جميعاً للعمل بجدية أكبر وتقديم أداء أفضل عندما يكون هناك مشرف يراقب عملنا؛ ففي أثناء إحدى التجارب، قام الباحثون بتغيير العديد من الظروف المادية للتأثير في الإنتاجية، وقد ثبت أنَّ إنتاجية الموظفين تزداد ويصبح أداؤهم أفضل عندما يعلمون أنَّ هناك مَن يراقب عملهم.
كيف يزيد تأثير هوثورن من إنتاجيتك؟
يحدث هذا تلقائياً في العمل؛ حيث يكون هناك مشرفون وقادة يراقبون ويقيِّمون أداءنا دورياً، وهذا ما يدفعنا كي لا نتراخى بالعمل، ولكن نظراً لأنَّنا لسنا مسؤولين أمام أي شخص في حياتنا الشخصية، ينتهي بنا الأمر بارتكاب الأخطاء.
يوجد طريقة بسيطة لتطبيق تأثير هوثورن في حياتك الشخصية لزيادة الإنتاجية وهي أن يكون لديك شريك مساءلة، فأنت لست بحاجة إلى رئيس أو مشرف يراقبك على مدار الساعة، وكل ما تحتاجه هو صديق تشاركه تجربتك:
-تعاون مع صديقك أو زميلك في العمل لتكوِّن صداقة معه وتستشيره في شؤونك، ويفضَّل أن يكون صديقك من نفس مجالك.
-اجمع أهدافك قصيرة الأمد -أسبوعية كانت أم يومية- مع بعضها بعضاً.
-ضعا جدولاً زمنياً بأهدافكما وخطِّطا لتحقيق هذه الأهداف ومراقبة تقدُّم كل منكما.
-للتحكم بشكل أفضل، يمكنك تحديد عقوبات في حال فشل أحدٌ منكما في تحقيق أهدافه.
يمكن أن يكون التقدم الشخصي ممتعاً ومُرضياً عندما تدرك أن شريك المساءلة بجانبك طوال رحلتك لتحقيق أهدافك.
4. نظرية التوقع:
تنص هذه النظرية على أنَّ سلوكنا يتأثر بصورة مباشرة بالنتائج التي نتوقعها كنتيجة لأفعالنا؛ حيث تقترح النظرية ثلاثة عناصر يعتمد عليها دافعنا هي:
-التوقع: نحن نتصرف بناءً على مدى احتمالية أن تُحقِّق جهودنا نتائج إيجابية، ويعتمد ذلك عادةً على تجارب الفرد السابقة والثقة بالنفس ودرجة صعوبة الهدف الذي يُخطِّط لتحقيقه.
-المنافع: وهي الاعتقاد بأنَّنا سوف نحصل على مكافأة إذا بذلنا الجهود اللازمة أو تصرَّفنا بطريقة معينة.
-المكافأة: وهي تشير إلى مدى قيمة المكافأة بالنسبة للفرد؛ فبالنسبة إلى بعضهم يمكن أن يكون المال حافزاً قوياً بينما بالنسبة إلى الآخرين يكون دافعنا أعلى عندما تكون المكافأة ذات قيمة بالنسبة إلينا.
كيف تزيد نظرية التوقع من إنتاجيتك؟
عندما تحدد أهدافاً لنفسك، اقضِ وقتاً في تدوين سبب سعيك للهدف والنتائج التي تأمل في تحقيقها، تعد هذه الرؤية مفيدة؛ وذلك لأنَّك تتخيل نتيجة جهودك، مما يحفزك على تنفيذها.
اكتب النتائج التي تتوقعها من أي هدف تعمل على تحقيقه، وشعورك عندما يتحقق، ولماذا ستكون النتيجة حازمة بالنسبة إليك، وفي أثناء تنفيذه، راجع هذا المستند مراراً وتكراراً كي تحفِّز نفسك على الدوام.
في الختام:
توفِّر نظريات التحفيز هذه نظرة ثاقبة حول كيفية إيجاد الدافع في حياتنا اليومية كي نكون أكثر إنتاجية؛ لذلك مع بداية كل عام جديد، اجعل من أحلامك حقيقة، واستخدم نظريات التحفيز التي يتردد صداها وتُعزِّز دافعك وطاقتك للعمل نحو أهدافك باستمرار، وجعلها ذات قيمة.
وكما يقول زيج زيجلار (Zig Ziglar): "يقول الناس دائماً أنَّ الحافز لا يدوم طويلاً؛ حسناً، لا تدوم فوائد الاستحمام إلى الأبد، ولهذا السبب ننصح به يومياً".