ما يزال هناك الكثير من الجدل حول مزايا تعدّد المهام. وبينما توجد بالتأكيد بعض المهام التي يتم التعامل معها بشكل فردي على نحوٍ أفضل، فمن الممكن القيام بهذا وذلك بالتخطيط السليم والنّهج الفعال.
عن طريق تطوير العادات الجيدة والنهج الاستراتيجي، يمكنك القيام بالمزيد من المهام في فترة زمنية أقل وبإنتاجية أفضل. فيما يلي بعض النصائح بشأن أداء مهام متعددة، والتي يمكن أن تساعدك على تدريب الدماغ للقيام بعدّة مهام دون التأثير سلبيًا على إنتاجيتك بشكل عام.
١. توقف عن أداء مهام متعددة في وقت واحد
كلنا نعتقد أن بإمكاننا القيام بمهام متعددة في الوقت ذاته. لكن في الواقع، فإن البشر ليسو قادرين على القيام بأشياء كثيرة في وقت واحد. يقول إيرل ميلر، عالم الأعصاب: “لا يستطيع الأشخاص إنجاز المهام المتعددة بإتقان، وعندما يقولون إنهم يستطيعون ذلك، فإنهم يخدعون أنفسهم”، إنّ “الدماغ بارعٌ للغاية في خداع نفسه.”
عِوضًا عن ذلك، نحن ببساطة نحوّل انتباهنا من مهمة إلى أخرى بسرعة كبيرة. ويُضيف ميلر: “إذا كنت تنتقل من مهمة إلى أخرى، فأنت تعتقد أنك تُولي اهتمامًا لكل شيء من حولك في نفس الوقت. ولكنك لا تفعل ذلك في الواقع”. “أنت لا تولي اهتمامًا لواحد أو اثنين من الأشياء في وقت واحد، ولكنك تتنّقل بينهما بسرعة كبيرة.” وقد وجد الباحثون أنّ بإمكانهم بالفعل رؤية الدماغ يكافح عند تعدّد المهام.
لذلك، في المرة القادمة التي يكون لديك الرغبة في أداء مهام متعددة، توقف. خذ استراحة، ومن ثم ارجع للتركيز على الشيء الوحيد الذي يجب القيام به في الوقت الحالي. وبمجرد الانتهاء منه، يمكنك الانتقال إلى شيء آخر.
٢. خفِّف حِدّة الإجهاد
بما أن الإجهاد يمكن أن يسبّب مشاكل جسدية وعاطفية وسلوكية – والتي يمكن أن تؤثر على صحتك، وحيويتك، ورفاهيتك، وعلى يقظتك العقلية – فليس من المستغرب أن يعرقل الإجهاد أداءك لعملك. الخبر السار هو أنك قد تكون قادرًا على تخفيف الضغط وحِدّة الإجهاد في مكان العمل.
وفقا لـ”جمعية علم النفس الأمريكية”، فإن “أكثر استراتيجيات تخفيف حدّة الإجهاد فعالية هي التمرين أو ممارسة الرياضة، الصلاة أو حضور مجلس ديني، القراءة، الاستماع إلى الموسيقى، قضاء الوقت مع الأصدقاء أو العائلة، الحصول على مساج، الخروج للمشي، التأمل أو ممارسة اليوغا، وقضاء الوقت في ممارسة هواية مبتكرة”.
إلا أنّ الاستراتيجيات الأقل فعالية هي “التسوّق، التدخين، الشُّرب، الأكل، لعب ألعاب الفيديو، تصفّح الإنترنت، ومشاهدة التلفزيون أو الأفلام لأكثر من ساعتين”. أسلوب آخر فعال لإدارة الإجهاد هو زيادة سيطرتك على الموقف بشكلٍ مسبق. يمكنك البدء بالتخطيط للغد في الليلة السابقة والالتزام بروتينك. بهذه الطريقة أنت تعرف ما يمكن توقعه في الصباح.
٣. اختر المهام التي تستخدم أجزاء مختلفة من دماغك
هناك في الواقع سوء فهم كبير حول معنى القيام بمهام متعددة. ينظر البعض إلى الأمر بوصفه أنه في الواقع مجرد قيام بمهمة تسلسلية، أو تبديل تركيزك بسرعة من شيء إلى آخر، وفق بحث صادر عن مركز الأبحاث Psychology Today. لكي تقوم بمهام متعددة فعلاً، لا يمكنك استخدام نفس الجزء من عقلك لأكثر من شيء واحد في كلّ مرة.
لذلك، إذا كنت بحاجة إلى كتابة رسالة بريد إلكتروني وقضاء بعض الوقت على الهاتف، فكل منهما على حدة تعد مهمة بذاتها. تتطلب كلتا المهمتين استخدام مركز اللغة في عقلك، قم باختيار المهام التي تتطلب أنواعاً مختلفة من المهارات عندما يكون ذلك ممكنًا. على سبيل المثال، قم بدمج “مهمة عمل” مع “مهمة تواصل”، بدلاً من محاولة تنفيذ مهمتَي اتصال في وقت واحد. تتطلب مهمة العمل جزء وظيفة الحركة في الدماغ، بينما تتطلب مهمة التواصل مركز اللغة في الدماغ. هذا صحيح؛ تعدّد المهام يمكن أن يكون ناجحًا للغاية عند تنفيذه بشكل صحيح.
٤. اغلق جميع الأجهزة
إنّ تعدد المهام هو لعبة مخادِعة. لا يستطيع دماغك التعامل مع الكثير من الأشياء في وقت واحد، لذلك من المهم أن تتحكم بعناية في ما تسمح لنفسك به. إذا كنت تعمل بالفعل على مهام متعددة، فلا تُفرط في تشتيت الانتباه من خلال إبقاء هاتفك مفتوحًا والردّ على الرسائل القصيرة أثناء محاولة تحقيق نتائج فعلية. أظهِر الانضباط الذاتي عندما تكون على حاسوبك عن طريق إبقاء هاتفك في الوضع الصامت. افتح علامات التبويب فقط للبريد الإلكتروني أو الصفحات التي تحتاجها خلال الفترة التي حدّدتها لإكمال هذه المهام. إذا كنت لا تُظهر الانضباط الذاتي، فأنت بصدد الخضوع لتشتُّت الانتباه، مما يقلل من تركيزك ويُحتمل أن تُفسح المجال للفشل.
٥. أعطِ الأولوية لمهام محددة
بغضّ النظر عن مدى براعتك في القيام بمهام متعددة، فهناك أشياء تتطلب تركيزك الكامل. تصبح الحيلة عندئذٍ معرفة أي العناصر تتطلب هذا التركيز ومن ثم إعطاؤها أولوية أعلى وتنحية المهام الأخرى جانباً بشكل مؤقت.
لتحديد المهام التي يجب أن تصبح ذات أولوية أعلى، اسأل نفسك:
-هل هناك موعد نهائي مرتبط بالمهمة؟
-إذا لم تكتمل المهمة، فهل ستمنع التقدم في المشروعات الأخرى؟
-هل تتطلب المهمة الكثير من الوقت، وبالتالي، المزيد -من تركيزك واهتمامك الكامل أكثر من المهام الأخرى؟
-هل المهمة خاصة بعميل أم أنها عمل داخلي؟
-هل يؤدي إكمال المهمة عاجلاً وليس آجلاً إلى تحقيق منفعة فورية؛ مثل الدفع مقابلها؟
إذا كانت الإجابات عن الأسئلة أعلاه “نعم”، تصبح – حينئذٍ – الأولوية لهذه المهمة. بعد إجراء هذا النوع من القياس على كل مهمة، يمكنك عندئذ إنشاء نظام أولوية لتمييز كل منها على النحو التالي:
-عاجل: أقل من ٢٤ ساعة
-عالٍ: في غضون ٢٤ ساعة
-متوسط: خلال ٧٢ ساعة
-منخفض: في غضون ٧ أيام
الكثير من هذا التخطيط والترتيب سيتحقق بشكل طبيعي بالممارسة والتركيز المكرَّس. احتفظ بالمهام ذات الأولوية العالية في قائمة المهام الخاصة بك بشكل منفصل عن البقية، وترقّب “الجائزة” التي ستنالها بعد إكمالها.
٦. أتمتة المزيد من المهام:
هل تود معرفة سر إنجاز المزيد؟ قلّل من عدد القرارات التي يتعين عليك اتخاذها طوال اليوم. لهذا السبب ارتدى مارك زوكربيرج الزّي نفسه لسنوات! ولا يزال يفعل معظم الأيام. يمنع عنك هذا الأمر الشعورَ بالإعياء والتّعب.
كتب “توني شوارتز”، الرئيس والمدير التنفيذي لمشروع الطاقة في “هارفارد بيزنس ريفيو” إنّ: “السرّ البَدَهِي لإنجاز الأمور هو جعلها مؤتمتة أكثر، وبالتالي فهي تتطلب طاقة أقل”.
“يتبين لنا أنّ لكلّ إمرئٍ مخزنًا واحدًا من الإرادة والانضباط، وأنه ينضب تدريجيًا جرّاء أي عمل للتنظيم الذاتي نابعٍ عن وعي. وبعبارة أخرى، إذا كنت تنفق الطاقة في محاولة لمقاومة كعكة الشوكولاتة الملوّنة، فسيكون لديك طاقة أقل متبقية لحل مشكلة صعبة، فالإرادة والانضباط يتناقصان بلا هوادة مع مرور اليوم”.
بعبارة أخرى، قم ببناء الروتين والعادات حتى لا تجعلك تتخذ قرارًا؛ بل تفعل الأمر فحسب. لهذا السبب يرتدي زوكربيرج الملابس نفسها كل يوم. من خلال القضاء على تلك الأمور السخيفة أو التافهة، يمكنه تركيز كل طاقته على قرارات العمل الأكثر أهمية.