يقول أحد العاملين في شركات البورصة:
«ما زلت أذكر عندما كنت صغيرًا، حين كانت تنهال على مسامعي كلمات المدح لحصولي على درجات مرتفعة في مادة الرياضيات، أما الآن فالوضع مختلف تمامًا!…
أشعر كأني أعمل بدون دافع…
مديري في العمل مثل الإنسان الآلي، أنا في نظره مجرد آلة في حقل كبير لجمع الأموال!
يا إلهي! كم أشتاق إلى بعض كلمات المدح والامتنان!».
ترى، هل بحثك عن كلمات مدح وامتنان يعد إدمانًا؟!
لنبحث معًا عن الإجابة في هذا الترياق…
وأخبرنا، ماذا كانت آخر كلمة مدح قيلت لك على عمل أنجزته؟ ومتى كانت؟
إدمان المدح… حقيقة؟! أم مجرد خيال؟!
دعني أسرد لك -عزيزي القارئ- جزءًا بسيطًا من حكاية (أميرة)، الشابة المجتهدة النابغة…
من السهل عليك أن تُعجب بشخصية (أميرة)؛ فهي شابة جميلة، تعمل مديرة تنفيذية في شركتها…
لكن (أميرة) متعطشة دائمًا لكل أشكال الثناء والمدح من الجميع، هي مثل فراشة تقترب من وهج النار ولا تقدر على الابتعاد عنه!
تستمتع بلحظات التتويج والوقوف على المنصات، تتمحور حياتها حول كيفية جذب الانتباه إليها واستخراج كلمات الشكر والتقدير لها…
لا يمكنك للحظة أن تشك في أنها مدمنة لنوع خاص من المخدرات، ليس كأي مخدر عضوي تعرفه أو قرأت عنه من قبل، بل أشد خطورة!…
لا شك أنها تعاني “إدمان المدح“!
تقديس المديح!
هل تعاني إدمان المدح؟!
بعيدًا عن النزعة النرجسية وحب الذات ونشوة النظر إلى نفسك في المرآة…
هل من الممكن أن يدمن المرء كلمات المدح والامتنان؟!
الإجابة هي “نعم”، من الوارد أن تصاب بمعضلة إدمان المدح إذا كانت لديك أي من تلك العلامات:
- لا تقدر على الابتعاد عن دائرة الضوء:
«الجميع يستمتع من وقت لآخر بكلمات الثناء والمدح حتى نقطة معينة، تنفرط من بعدها العقدة وتتحول من عادة إلى مشكلة، ومن مشكلة إلى إدمان من الصعب علاجه!»…
كانت تلك كلمات العالم النفسي د. سام فاكنن من كتابه (حب الذات… الورم القاتل والنرجسية الزائدة!).
إذا رأيت شخصًا يتحدث فوق إحدى المنصات عن كل تفاصيل حياته الخاصة والعملية وكل تصرفاته العبقرية، ومن حوله أصدقاؤه المقربون الذين جلبهم معه للثناء عليه، ساعيًا لجذب جل اهتمام الحاضرين صوبه من أجل كلمات المدح؛ فهذا غالبًا شخص يعاني إدمان المدح!
وعادة ما يصاب الجمهور بنوع من الريبة والشك، وأحيانًا يشعرون بالتقزز من ذلك النرجسي القابع أمامهم!
- صديق متملق يصفق على كل أفعالك:
كل ما عليه فعله هو قول «كم أنت عبقري ومغامر وقادر على صنع المعجزات!» -التي هي في الحقيقة أشياء تافهة-، والتكلم عنك بالإيجاب، وكيف أنك جميل حتى في أسوأ أوقاتك، وكيف تضحي ببيتك من أجل العمل، ويختمها بـ «لا بد أن نكتب عنك كتابًا ملهمًا للأجيال القادمة»…
حقًّا؟!
- التفكير فيما سيقوله الآخرون عني:
وتبدأ في رحلة التساؤل:
هل ما فعلته لهم اليوم كان جيدًا؟
لماذا لم يخبرني أحد كم كنتُ بارعًا؟!
وغيرها من الأسئلة التي تشير إلى إدمانك المدح.
لكن كيف يمكن معرفة إذا كنت حقًّا تعاني إدمان المدح؟!
الحل من خلال سبع أسئلة رئيسة:
- هل تشعر بالغيرة من مديح إنجازات غيرك؟ أم لا؟
- هل تضع نفسك في مقارنة مستمرة بغيرك؟ أم لا؟
- هل تعمل فقط من أجل أن تُسعد نفسك؟ أم إسعاد الآخرين؟
- هل سعادتي نابعة من استقراري الداخلي؟ أم معتمدة على كلمات المدح من غيري؟
- هل أنت شخص تنافسي؟ أم لا؟
- هل لديك أصدقاء صادقون؟ أم متملقون؟
- هل تحب كلمات النقد والانتقاد السلبي؟ أم لا؟
إذا كانت إجابتك بـ “نعم” في معظم الأسئلة -عزيزي القارئ، فأنت بنسبة كبيرة تعاني إدمان المدح.
وهنا يأتي دورنا في “ترياقي” لنساعدك على ايجاد الترياق المناسب لتلك المعضلة…
ست نصائح من ترياقي تساعدك على التغلب على إدمان المدح
- كن أنت مصدر الإلهام لنفسك:
لا تنتظر من الآخرين أن يربتوا على كتفك ويحيوك ويشدوا أزرك، كن أنت مصدر الثقة بنفسك، واكتب إنجازاتك وذكر نفسك بها باستمرار.
- تخلص من تأثير المديح السلبي:
إذا سمعت كلمات مدح على فعلٍ ما، اشكر صاحب الكلمة على ذوقه، وانتهى الأمر، وابدأ في استكمال عملك دون انتظار المزيد من كلمات الثناء.
- «أنت فقط من يتحكم في حياتك، لا أحد غيرك»:
تلك كانت كلمات أحد العاملين في قطاع الشركات الكبرى.
أنت فقط من تمتلك زمام الأمور، بادر بالقيادة حتى لا تنقلب عربة حياتك إذا ما تركت المقود من أجل بضع كلمات مدح!
- ارتفع بسقف مهاراتك وطموحاتك:
كلما أتقنت مهارة أو تعلمت طريقة جديدة، علمها غيرك، وابدأ في رفع مستوى طموحاتك من داخلك من أجل أن تتعلم وتفيد غيرك، لنفسك وليس لكلمات المدح والامتنان.
- حدد ما تريد تحقيقه:
ورقة وقلم، واكتب أهدافك وأمانيك للعام الجديد، اجعلها تتحقق، اجعلها واقعًا ملموسًا ولا تيأس.
- تخلص من أصدقائك المتملقين، وابحث عن آخرين حقيقيين:
ابحث عن أصدقاء يخبرونك بالحقيقة، وبأنك كنت في حاجة إلى الانتباه إلى ذلك الأمر والمراجعة على الآخر، الزم صديقًا يصدُقُك لا ينافقك.
ختامًا…
الكمية المناسبة من المدح مع نوعية كلمات المدح والامتنان وفي الوقت المناسب أمر مقبول ومشروع، بل قد يحفز الفرد ويعطيه طاقة إيجابية.
لكن إذا زاد عن الحد الطبيعي، تحول من شيء إيجابي إلى إدمان!