لن يكون التغيير نافعًا في حياتنا إن بقيت عادات سيئة ترافقنا أينما ذهبنا. التخلّص من عادات سيئة في شخصيّتنا وإضافة عادات جيّدة جديدة إليها سيكون له التأثير الأكبر في التغيّر نحو إنسان أفضل وأكثر نجاحًا وسعادة.
كل من ارتاد المرحلة الابتدائيّة تعلّم أول صفة عن الإنسان وهي أنّه اجتماعي بطبعه، لكن ذلك لم يكن يعني بكل تأكيد أن نكون اجتماعيين ومندمجين في بيئة الشبكات الاجتماعات كالفيس بوك وتويتر أو في برامج المحادثة كالواتس أب التي تستنزف الوقت الثمين الذي لا نملكه!
تخيّل أن تذهب لزيارة خالتك لتتفقد حالها ومعيشتها، لتدردش معها وتسلّيها، وتصل رحمك، وتشعر بحبك لها.. جميل جدًا، أليس كذلك؟
تخيّل الآن أنّ كلّ ما شعرت به معها اختفى وأنت جالس معها، أحدهم كتم صوت المحادثة بينكما، وأصبحتَ تنظر للأسفل، لشاشة مضيئة، تضغط بسرعة عليها، لدقائق… لساعات. ثم تقوم، «هل تريدين شيئًا خالتي؟ إلى اللقاء».. خالتك تحدث نفسها «أكان هذا لقاء أصلًا؟».
بينما نحن نعيش يومنا العادي نشاهد في الطريق الكثيرين يمعنون النظر في الشاشة المضيئة، تتسارع أصابعهم عليها، مشيًا، ركوبًا، جلوسًا.. وربما أصبح هذا الأمر مألوفًا جدًا لدى البعض. ومستفزًا للبعض الآخر.
بمعنى الكلمة تحوّلت هذه العادة لمرض، فكل من يمارسها سيلاحظ أنّ قدرته على التركيز قد انخفضت إلى مستوى كبير، فإن كان يستطيع قراءة 50 صفحة من كتاب أو التركيز في دراسته لمدة ساعتين في جلسة واحدة دون أن يقوم أو يلتهي بشيء آخر فالتركيز عنده ما زال جيّدًا، ومن لا يستطيع فعل ذلك فسيكون تحصيله العلميّ على انخفاض مع الأيّام.
وأيضًا من أعراض هذه العادة أنّها تقتل الروح الاجتماعيّة في نفس الإنسان، فربما يقضي الساعات الطويلة يدردش ويتابع ويقرأ النكات على تلك الشبكات، وربما يقضي يومه كلّه عليها، حتّى يصبح مع الأيّام منعزلًا عن أصدقائه وأقربائه في الواقع وسيؤثر ذلك أيضًا على علاقته بأهله في نفس المنزل، فنادرًا جدًا ما تجده يجلس معهم ويحادثهم عن يومه، ماذا رأى وسمع. أواصر الاجتماع والسهر والسمر مع العائلة والأصدقاء والأقارب تتقطّع يومًا بعد يوم.
المشكلة ليست في الشبكات الاجتماعيّة والهواتف الذكيّة، والحل ليس في قطعها وتركها مرة واحدة وللأبد. هذا غير منطقيّ أصلًا، ولكنّ المشكلة فينا نحن، في سوء استخدامنا لهذه الأدوات التي تسهّل التواصل بين الناس، فاليوم نحن –السوريين- مشتّتون في بقاع الأرض، والعائلة تشعّبت لفروع بعيدة عن بعضها وأصبحت الحاجة للتواصل عبر الوسائل الحديثة أكثر من ذي قبل، هذا أمر واضح ومفهوم. ولكنْ ما هو غير مفهوم، أن يتحوّل الأمر لعادة سيئة تؤثّر على ذهننا وتحصيلنا العلمي وشغلنا العمليّ، وعلى تواصلنا مع عائلتنا وأصدقائنا في الواقع لنصبح أكثر انعزالًا وأقل خدمة ومساعدة.
الحل يكون ببعض الخطوات:
– البحث عن المشاكل النفسيّة والعمليّة التي أنتجتها الشبكات الاجتماعيّة (إضاعة الوقت، ضعف التركيز، قلة التواصل واقعيًا….الخ) ثم كتابتها في ورقة.
– الإرادة القوّيّة، والعزم على التغيير، وترك هذه العادة السيئة.
– كن «أوف لاين» في أوقات العمل والدراسة والقراءة، أو عندما تكون جالسًا مع أقاربك أو أصدقائك، بمعنى أن تطفئ اتصالك بالشبكة.
– عش اللحظة وافرح بها، اشعر بالهدوء والصفاء في كل لحظة تعيشها بدون اتصال بالشبكة، كن ممتنًا لكل لحظة تتواصل فيها مع العالم واقعيًا، اشهد الغروب والشروق واقعيًا وابحث عن التفاصيل الصغيرة في سعي الناس في الدنيا من عينيك لا من صور «الانستغرام». تعلّم من خبرة الناس واسألهم عندما تفشل في الوصول إلى غايتك ولا تبحث عن الحلول في منشورات الشبكات الاجتماعية. اتصل بمن تحب ودردش قليلًا معه واستمتع بصوته وقربه منك لا من شاشة «الواتس أب أو الفيس بوك». اخرج ومارس الرياضة مع الأصدقاء أو وحيدًا ولا تلعب على «الفيس بوك».. ببساطة كن موجودًا في هذا العالم واشعر بجماله في كل لحظة.
– تطبع هذه العادة في أنفسنا التسرّع، لذلك عد لنفسك وكن هادئًا ومبتسمًا.
– الصبر على ترك الأشياء، وهذا يمكن تعلّمه من مقالتي في العدد السابق.
أخيرًا الوعي بمساوئ هذه العادة مهم ليعطينا حافزًا للتغيير، ارجع لهذا العالم وعش كل لحظة بصفاء وهدوء.