تتطلب بيئة العمل اليوم نوعاً جديداً من القادة؛ إذ لم يَعُد كافياً أن يكونوا مؤهلين وواسعي الاطلاع، فقد أصبح من الضروري أن يتمتعوا بقدر عالٍ من التركيز والقدرة على التكيف والمرونة من أجل أن يكونوا مؤثرين في عالم المؤسسات المليء بالفوضى والمشتتات.
هناك علاقة واضحة بين فوائد النوم الجيد واحتياجات بيئة العمل الحالية؛ فالنوم المُجدِّد للنشاط هو عنصر حاسم للوصول إلى إمكانات القيادة المثلى، كما يُعدُّ أسهل طريقة لتحسين الإنتاجية.
تأثير النوم في الإنتاجية والقيادة:
قد يؤثر النوم أو قلة النوم تأثيراً كبيراً في قدرتك على الإنتاج والقيادة بنجاح؛ حيث أظهر خبراء علم الأعصاب أنَّ الحرمان من النوم يُضعف الصحة والقوة العقلية والمهارات الحركية والشخصية، مما يقلل من فاعلية صنع القرار وحلِّ المشكلات في جميع جوانب الحياة.
قد يؤدي الحرمان من النوم إلى ضعف الذاكرة وقلة التركيز واستجابات أبطأ، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات هامة في بيئات العمل الصعبة والمعقدة، كما أنَّه يؤدي أيضاً إلى إعاقة تنظيم الحالة المزاجية، وغالباً ما ينتج عن ذلك القلق والعداء، مما يجعل مهارات التفاعل مع الناس الضرورية للقيادة أمراً صعباً، بالإضافة إلى الاضطرابات المزاجية والإدراكية، تبيَّن أيضاً أنَّ الحرمان من النوم له آثار سلبية كبيرة في الصحة البدنية، بما في ذلك ارتفاع مخاطر الحوادث، ومرض السكري، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم.
ومع ذلك، يَعُدُّ العديد من القادة قلة النوم وسام شرف؛ إذ تراهم يتباهون بالقدر الضئيل الذي يحصلون عليه من النوم ظناً منهم أنَّ هذا يدل على فاعليتهم أو تفانيهم أو طموحهم.
في النهاية، ما هي أفضل طريقة لتتميز عن منافسيك غير قضاء ساعات إضافية في العمل؟ تُعزز ثقافة العمل السائدة الحالية هذا أيضاً، مع مطالب على مدار الساعة، ومكالمات جماعية في وقت متأخر من الليل، والسفر عبر القارات، والمقاطعات المستمرة.
ومع أنَّ السهر حتى وقت متأخر من الليل قد يبدو فعالاً على الأمد القصير، تُظهِر الأبحاث أنَّ تخطِّي النوم على الأمد الطويل، هو وسيلة مؤكدة لإلحاق الضرر بأدائك. لذلك، في حين أنَّ قضاء ساعات طويلة في العمل قد يبدو ضرورياً لإدارة أعباء العمل الثقيلة، إلا أنَّه قد يجعلك متعباً في العمل على الأمد الطويل، ومع الأخذ في الحسبان تأثيرات قلة النوم في إدراكك ومزاجك وصحتك، فإنَّ أفضل طريقة لتحسين أدائك وزيادة إنتاجيتك هي في الواقع اتباع نهج: عمل أقل ونوم أكثر.
النوم والإنتاجية، ما العقبات التي تحُول دون تحسينها؟
لسوء الحظ، هناك عقبات تحول دون الحصول على قسط جيد من الراحة في أثناء الليل، وتكشف الأبحاث أنَّ النوم المضطرب يصاحب غالباً المشكلات المتعلقة بالمهن، حيث أظهرت الدراسة التي أُجرِيت على 384 قائداً أنَّ العديد من القادة يحاولون النوم ولكنَّهم يواجهون صعوبةً في ذلك، والجدير بالذكر أنَّ ما يقرب من 1 من كل 4 ذكروا أنَّ المشكلات المتعلقة بالعمل أبقتهم مستيقظين لبضع ليالٍ على الأقل في الأسبوع، ووجدَت أيضاً أنَّ 22% يحللون أو يسهبون في الحديث عن الأحداث الأخيرة في العمل، و20% قلقون بشأن الأحداث أو القضايا القادمة في العمل.
في الدراسة، كان عدم القدرة على الانفصال نفسياً عن العمل أحد أكبر العوامل المسببة لمشكلات النوم، حتى عند التحكم في أشياء مثل: العمر والاختلافات الفردية، وعوامل نمط الحياة مثل: التمرينات الرياضية أو استهلاك الكافيين.
دحض الخرافات الشائعة حول الحرمان من النوم والإنتاجية:
هناك خرافتان شائعتان حول النوم والإنتاجية، لا سيَّما فيما يتعلق بفاعلية القيادة:
1. التقليل من النوم هو أحد السبل لزيادة إنتاجيتك:
سبب الاعتقاد بالخرافة:
عندما ننام لساعات أقل، يتوفر لدينا ساعات إضافية في يومنا؛ فالنشاط والعمل هما أولويتنا مهما كانت الظروف.
الواقع:
تُشير الأبحاث إلى أنَّه حتى الحرمان من النوم بكميات صغيرة له تأثير كبير في صحتنا ومزاجنا وقدرتنا المعرفية وإنتاجيتنا؛ إذ ترتبط قلة النوم بالحوادث التي يمكِن تفاديها والأخطاء الطبية وحوادث السيارات، فالحرمان من النوم يقلل من التركيز، ويضعف الذاكرة، ويقلل من القدرة على التواصل، ويقلل من الإبداع، ويثير التقلبات المزاجية، ويزيد من التوتر.
على عكس الخرافة، إنَّ الحرمان من النوم يمكِن أن يؤخرك ويعيق تقدُّمك على الأمد الطويل.
2. كبار المديرين التنفيذيين ينامون أقل من الموظفين الآخرين للبقاء في المقدمة:
سبب الاعتقاد بالخرافة:
إنَّ المديرين التنفيذيين ذوي الأداء العالي الذين لديهم الكثير من المشاغل ينامون أقل من الموظف العادي، وهذا جزء من الوظيفة، وللوصول إلى أعلى مستوىً في المنظمة، تحتاج إلى التضحية بالنوم، وبمجرد تحقيق أهدافك، تحتاج إلى الحفاظ على نمط الحياة هذا لمواكبة متطلبات العمل.
الواقع:
يعتقد الناس أنَّ القادة مثل المدير التنفيذي المتميز يحصل على نوم أقل بـ 42 دقيقة من الموظف العادي، لكنَّ الحقيقة مختلفة. ففي الواقع، وجدَت إحدى الدراسات عن تجارب نوم القادة أنَّه لم تكن هناك فروق في عدد ساعات النوم المبلغ عنها ذاتياً من قِبَل الذين استُطلِعت آراؤهم جميعاً، حيث أفاد المستشارون والمديرون التنفيذيون والمديرون والمهنيون في المناصب غير الإدارية أنَّهم جميعاً حصلوا على عدد ساعات نوم مماثلة، وكذلك رفض المسؤولون التنفيذيون تأييد مثل هذه العبارات: "أعتقد أنَّ أصحاب الأداء العالي هم أشخاص نشيطون لا يحتاجون إلى الكثير من النوم"، أو "قضاء ساعات طويلة في العمل والتضحية بالراحة هما تنازل ضروري للتقدم في العمل".
ممارسات لنوم أفضل وإنتاجية أكبر:
النوم ليس نشاطاً اختيارياً، فنحن بحاجة إليه للبقاء على قيد الحياة والازدهار، كما أنَّ النوم المُجدِّد للنشاط هو عنصر حاسم للوصول إلى إمكانات القيادة المثلى، وفيما يلي 8 ممارسات لمساعدتك على تحقيق هذه النوعية من النوم وتحسين إنتاجيتك.
1. تحديد برنامج منتظم:
يعزز النوم والاستيقاظ في الوقت نفسه كل يوم (حتى في عطلات نهاية الأسبوع) دورة نوم متسقة، فحدِّد جدول نوم يسمح لك بالحصول على ساعات النوم التي تحتاجها، وعلى الرغم من أنَّ بعض الناس يحتاجون إلى عدد ساعات أقل من النوم وبعضهم الآخر يحتاج إلى عدد ساعات أكثر، إلا أنَّ حاجة الشخص البالغ العادي من النوم هي من 7 إلى 8 ساعات يومياً، وفقاً لمؤسسة النوم الوطنية (National Sleep Foundation).
2. إنشاء بيئة مريحة:
يجيد الكبار إنشاء بيئات مريحة للأطفال، ولكن لا يدرك الجميع أنَّه يجب عليهم فعل الشيء نفسه لأنفسهم، فاضبط درجة الحرارة والأضواء والأصوات في الغرفة بحيث تساعدك على النوم قدر الإمكان، ويتَّبع بعض الأشخاص طقوساً تساعد على الاسترخاء مثل: الاستحمام بماء دافئ، أو وضع المستحضرات، أو استخدم سدادات الأذن، أو ستائر التعتيم إذا لزم الأمر.
3. استخدام أجهزة اللياقة البدنية القابلة للارتداء لفهم احتياجاتك الفردية:
تتمتع معظم أجهزة اللياقة البدنية القابلة للارتداء بوظيفة تتبُّع النوم التي ستساعدك على معرفة مقدار نومك وأنواع الأنشطة التي تعيق أو تعزز النوم الجيد.
4. ممارسة الرياضة:
تعزز التمرينات الرياضية النوم الجيد، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بفاعلية القيادة، ولكن إن مارستَها في وقت قريب جداً من وقت النوم، فيمكِن أن تكون بمثابة منبِّه يتركك مستيقظاً.
5. فصل الأجهزة الإلكترونية:
افصل أجهزتك قبل النوم، فمِن المعروف أنَّ الاستخدام المستمر للأجهزة والضوء الأزرق الذي ينبعث منها يؤثر سلباً في النوم.
6. عدم التفكير في العمل قبل النوم:
لن يساعد التفكير في العمل في أي شيء، ولكن تساعدك ممارسات اليقظة الذهنية وأساليب الحد من التوتر الأخرى على تعلُّم كيفية تصفية ذهنك.
7. استهلاك الكافيين باعتدال والامتناع عن الكحول:
نعلم جميعاً أنَّ الكافيين يتداخل مع الراحة، لكن ما لا يعمله الناس هو أنَّ للكحول التأثير نفسه، فقد يساعدك الكحول على النوم، لكنَّه سيقلل من جودة نومك، ولن تستيقظ إلا بعد زوال تأثيره.
8. فهم واحترام احتياجات النوم:
لدينا جميعاً نمط زمني معيَّن يعتمد على نشاطاتنا اليومية، فبعض الناس يحبون السهر ويؤدون أداءً أفضل في وقت متأخر من الليل، وبعضهم الآخر يحبون الصباح ويكونون أكثر إنتاجيةً في الصباح الباكر، فاحترِم ميولك الطبيعية من حيث صلتها بالنمط الزمني الخاص بك، وحدِّد أفضل وضع لتزدهر وتزيد إنتاجيتك، وحدِّد أوقات اليوم التي تشعر فيها بأكبر قدر من اليقظة، وخطِّط للقيام بأكثر المهام صعوبةً أو تحدياً خلال تلك الأوقات.
احصل على أقصى استفادة من نومك وشاهِد ما يمكِن أن يفعله لك جسدياً ونفسياً وعاطفياً، ثمَّ اجنِ الفوائد في العمل وفي حياتك الشخصية.