تطوير الذات / تنمية بشرية / التخلص من الماضي / الذكريات السيئة / علم النفس / نسيان الماضي / أخطاء الماضي /

التخلص من الماضي في علم النفس وكيفية نسيان

التخلص من الماضي في علم النفس وكيفية نسيان - هنا hana

تعتبر الذكريات الجزء الأهم في تكوين شخصية الإنسان وسلوكه، فالذاكرة ليست مجرد محفظة للأحداث والذكريات، بل هي مجال حيوي تتفاعل فيه هذه الذكريات مع موقفنا من المفاهيم والأفكار المختلفة ومع نظرتنا إلى الحياة ومع سلوكنا المستقر، وليست الذاكرة الواعية فقط، بل ذاكرة العقل الباطن التي يعتقد أنها مسؤولة عن الكثير من المشاكل والاضطرابات النفسية.
وقد أولى علم النفس الحديث أهمية استثنائية لتصحيح تفاعل الإنسان مع الذكريات المؤلمة والتخلص من الماضي وما يسببه من آلام نفسية مستديمة، وفي هذا المقال نحاول أن نتعمق أكثر بكيفية التخلص من الذكريات السيئة ونسيان الماضي.

كيف تتكون الذكريات السيئة؟


قبل الخوض في موضوعنا عن التخلص من الماضي ونسيان الذكريات المؤلمة لا بد أن نتوقف قليلاً مع كيفية تكوّن هذه الذكريات، ولماذا نتفاعل معها بطريقة مختلفة، خذ مثلاً ارتكاب الأخطاء بالماضي، قد تقوم بتصرف أو سلوك مشين بالاشتراك مع صديق لك، وقد تعيش تحت وطأة هذا السلوك والماضي الأسود!، فيما يعيش صديقك -وهو الشريك- حياته بشكل طبيعي ولا يتذكر حتى أنه قام بشيء يندم عليه.
في الحقيقة هذا التباين بين الأفراد في تعاملهم مع الذكريات له العديد من العوامل التي تؤثر به، منها طبيعة المواقف التي نتعرض لها وكيفية تفاعلنا معها في وقتها وكيفية تأثيرها على حياتنا على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وتكوين الشخصية الفريد لكلٍّ منا، وغيرها من العوامل التي تجعل من حدثٍ ما ذكرى مهمة لأحدنا وأمر لا قيمة له بالنسبة لشخص آخر وإن كانا في نفس الموقف.
من جهة أخرى تشير الدراسات النفسية التي استهدفت اختبار استرجاع الذكريات الإرادي وغير الإرادي في الأوقات المختلفة إلى أن مرور الوقت على الذكريات يقلل استرجاعها بشكل واعٍ ويزيد من الاسترجاع غير الإرادي للذكريات، وذلك من خلال ارتباط الذكريات بمنبهات أخرى مثل الروائح أو الأماكن أو الأصوات أو الأشخاص[1].

فعند التعرض لحدث مؤثر يسيطر على عواطفنا بشكل كبير، ثم يتراجع زخمه وتصبح تفاصيله ضبابية مع الأيام، إلى أن يصبح خارج دائرة اهتمام الوعي، لكنه مع ذلك يقفز إلى الذاكرة عندما نتعامل مع منبه ما، رائحة مرتبطة بذلك الحدث، أو اسم شخص، أو المرور بمكان الحدث...إلخ.

وفي سبيل التخلص من الماضي ونسيان الذكريات المؤلمة والسيئة لا بد أن نفهم هذه الآلية التي تعمل بها النفس البشرية والعقل البشري بالتضافر والتكافل، وإليك ثلاثة محاور أساسية قبل آليات التعامل مع الماضي والذكريات:
1- السيء هو التفاعل مع الذكريات وليست الذكريات نفسها، فالإنسان معرض خلال حياته الغنية بالتجارب للكثير من المواقف السعيدة والحزينة، وما يجعل ذكرى ما حزينة وأخرى سعيدة هو تفاعل كل منا مع الأحداث من حوله.

2- على الرغم من صعوبة نسيان الذكريات المؤلمة التي تكون كشوكة في الحلق، لكن الإنسان يميل إلى التخلص من الذكريات السلبية بشكل فطري، هذا ما يطلقون عليه نعمة النسيان، بل أن فرويد اعتبر النسيان أحد الدلائل على اللاوعي، فالإنسان ينسى اسم شخص ما لأنه يرتبط بذكرى سيئة عنده مثلاً.


3- التفكير بتجاهل ونسيان الماضي لا يمكن أن يكون فعالاً قبل أن يصبح هذا الماضي بعيداً!، بمعنى أن الذكريات الحديثة تفرض نفسها، والزمن كفيل بمحو معظم تفاصيل هذه الذكريات، وفي حالات معينة يجد البعض صعوبة في الخروج من سيطرة هذه الذكريات حتى بعد مرور زمن طويل عليها، عندها لا بد من بذل جهد إرادي بمواجهة الماضي والذكريات السيئة.



كيفية نسيان الماضي والذكريات المؤلمة؟


كما ذكرنا فإن ذاكرة الإنسان ليست مجرد محفظة للذكريات، بل مجال لتفاعل المشاعر والسلوك مع هذه الذكريات، ومن هنا كانت أهمية تقديم المساعدة لكل من يشعر أن الماضي يشكل عبئاً عليه، ونقدم لكم أفضل طرق التخلص من الذكريات المؤلمة ونسيان الماضي:


امنح لنفسك الوقت الكافي
أولما يجب أن تفكر به هو إعطاء نفسك الوقت الكافي لتتعافى من الصدمة أو لتتجاوز الحدث المؤلم، فالتركيز على تأثير الأحداث في وقتها يجعله أشد، وقد يكون الزمن هو العامل الحاسم في التغلب على الذكريات السلبية، فمع مرور الوقت تختلف طريقة نظرتنا إلى الذكريات وطريقة تفاعلنا معها، لذلك امنح نفسك الوقت الكافي للتعافي من الماضي.

اتخذ قراراً بمواجهة الماضي
يشير الأطباء النفسيون إلى أن التمسك بالألم قد يكون خياراً في كثير من الأحوال، واجترار الماضي واستعادة الذكريات المؤلمة قد يكون خياراً، لذلك يجب أن يكون الخيار هو التخلص من الماضي، ويجب أن يكون القرار هو مواجهة الذكريات السيئة، وهذا القرار يجب أن يكون واعياً، مفهوماً، ومتبوعاً بإجراءات فعلية[2].

اكتشف جوانب الألم وجزِّء الماضي

ترك المشاعر تتفاعل دون فهمها يعزز حضور الذكريات الأليمة، وكلما تجاهلنا الذكريات السيئة دون محاولة فهمها كلما أثقلنا أنفسنا أكثر بالماضي، لذلك يعتبر التفكير العميق بالذكريات المؤلمة أمراً لا بد منه في سبيل التخلص من ألم الماضي وضغطه، فعندما يتعرض أحدنا لصدمة عاطفية ترافقه ذكراها لسنوات طويلة، لا بد أن يفكر بالظروف التي أحاطت به آن ذاك، بتطور شخصيته والفرق بين ما هو عليه الآن وما كان عليه سابقاً.
وفي سياق متصل لا بد من تفكيك الذكريات التي تبدو متصلة وتجزئة الماضي، فبدلاً من التفكير بذكريات الطفولة كمرحلة متكاملة نريد التخلص منها، لا بد من تحديد الذكريات السلبية والتعامل معها كلٌّ على حدة.
تقول الخبيرة النفسية في موقع حلوها الدكتورة ميساء النحلاوي في إجابتها على سؤال من إحدى رواد موقع حلوها: "للنسيان يجب فتح بعض الملفات وفهم الأحداث وإجراء بعض التعديلات والمراجعات حتى تتخلصي من آثارها، وهذا كله نقوم به بالعلاج المعرفي السلوكي ويأخذ عدة جلسات بحدود العشرة ومرة في الأسبوع، بدون معالجة الأسباب لن تستطيعي التخلص من الغضب والاكتئاب".

توقّف عن لعب دور الضحية
كما ذكرنا؛ فإن الألم واسترجاع الذكريات المؤلمة قد يكون خياراً، وبطبيعة الحال فإن معظمنا يميل إلى رمي المسؤولية على الآخرين وعيش دور الضحية بكل ما يتعلق بذكرياته المؤلمة، وستكون خطوة فعالة وجبارة أن نتوقف عن لعب دور الضحية، أن نضع الأمور في نصابها، ونتحمل مسؤوليتنا، ونحمِّل الآخرين مسؤوليتهم الحقيقية، إذا كنت تعتقد أنك تهرب من المسؤولية اقرأ مقالنا عن أسباب وعلاج الهروب من المسؤولية.


غيَّر حياتك الحالية لتنسى حياتك السابقة
يجب أن تعرف أن استرجاع الذكريات المؤلمة والعيش في الماضي يرتبط بشكل كبير بحياتك الحالية، فوجود أهداف حقيقية للحياة وإنجازات مهمة، ووجود أشخاص ملهمين، ووجود تطلعات كبيرة؛ كل ذلك من شأنها أن يجعل الماضي أكثر بعداً وضبابية، لذلك فكر بالوقت الحاضر، فكر بتعديل وتغيير حياتك الحالية، أعد النظر بالأشخاص المحيطين بك ولا تتردد بإنهاء علاقاتك السامة مع الأصدقاء وإنشاء علاقات جديدة[3]، وتذكر أن الحاضر بوابة المستقبل الوحيدة.
تقول الخبرة في موقع حلوها الدكتورة سراء الأنصاري في إجابتها عن سؤال حول نسيان ذكريات الزواج السابق بعد الطلاق: "عليك أن تبحث عن بدايات جديدة كأنك في الخريف ويبدأ النمو من جديد بالربيع، جد مكاناً جديداً، عملاً جديداً، مدينة أخرى، أصدقاء جدد، علاقات بشكل آخر، واعتبر أن ذاك الماضي كان مرحلة وانتهى والآن أنت في مرحلة جديدة فالحياة لا تتوقف عند أحد."

تعلَّم أن تسامح نفسك والآخرين
التسامح من المبادئ الرئيسية بمسيرة التخلص من الماضي والذكريات المؤلمة، والتسامح لا يعني أن تنسى الإساءة أو الأذى، وإنما أن تنظر إلى نفسك وإلى الآخرين بطريقة مختلفة، اقرأ مقالنا عن خطوات التسامح، وحاول أن تسامح نفسك والآخرين لتتمكّن من السيطرة على ذكريات الماضي.




السيطرة على منبهات الماضي


تعتبر السيطرة على المنبّهات واحدة من أنجح التقنيات للتحكم بالذكريات، والمقصود بالمنبهات هنا هو كل ما يجعلنا نستعيد الذكريات الجيدة والسيئة بشكل لا إرادي، وذلك يشمل الروائح والأصوات والأشخاص والأماكن والألوان والملامس والأحداث المشابهة... إلخ.

وفي السيطرة على المنبهات هناك مذهبان: الأول هو تجنب المنبهات، والثاني هو تحفيز المنبهات وتغيير طبيعتها:
1- تجنب المنبهات للتخلص من الماضي: يتّبع البعض أسلوب تجنب المنبهات في سبيل التخلص من الماضي والتعامل مع الذكريات، ويقوم هذا الأسلوب على الابتعاد قدر الممكن عن كل ما يرتبط بموضوع الذكرى المؤلمة، مثلاً قد يلجأ الشاب بعد ترك حبيبته لقطع علاقته بالأصدقاء المشتركين، وقد يلجأ الأب لبيع المنزل الذي شهد وقوع حدث مأساوي، ويلجأ المدمن إلى تغيير نوعية الأغنيات التي يسمعها بعد الإقلاع عن الإدمان.

عادةً ما يكون هذا الأسلوب فعالاً في نسيان الماضي، وغالباً ما يلجأ أصحاب الشخصية التجنبية إلى هذه الطريقة لأنها تتناسب مع شخصيتهم، لكن السيطرة على المنبهات من خلال تجنبها على الرغم من سهولته لا يمكن أن يكون قطعياً، فنحن معرضون لرؤية الأشخاص الذين نحاول تجنبهم، ومعرضون لاستنشاق رائحة عطر ترتبط بذكرى حزينة...إلخ.

2- تحفيز المنبهات وتعديل دلالاتها: أما المذهب الثاني في التعامل مع منبهات الذكريات المؤلمة يقوم على إدارة هذه المنبهات وإدارة الارتباط بين المنبهات والذكريات، فبدلاً من تجنب الذهاب إلى المقهى الذي يذكرنا بذكرى سيئة نلجأ إلى فك الارتباط بينه وبين هذه الذكرى من خلال المداومة على الذهاب إلى نفس المكان وخلق ذكريات جديدة، وبدلاً من قطع صلتنا نهائياً بالأصدقاء المشتركين مع حبيب سابق، نحاول أن نجعل الحبيب السابق صديقاً!.
معظمنا يقوم مثلاً بوضع صورة شخص عزيز فارق الحياة في بيته، وجود الصورة الدائم والتعرض لها باستمرار يحفِّز لدينا نوع آخر من الذكريات أقل ارتباطاً بالوفاة والحزن على الفراق، فيما نجد أن معظمنا يتجنب الاحتفاظ بصورة لوالده المتوفى إن لم تكن العلاقة بينهما على ما يرام، لأنه يرغب بنسيان ذكرياته مع والده وليس نسيان وفاة والده!.

ومن أمثلة التحكم بالذكريات ما كان يقوم به الفنان الأمريكي Andy Warhol، حيث كان يحتفظ بمجموعة من العطور التي ترتبط بذكريات معينة، ويقوم بالتحكم بالذكريات التي يرغب باسترجاعها من خلال استخدام العطر الذي يرتبط بها[1]، هذا يساعد أيضاً على التحكم بالمزاج من خلال استحضار ذكرى جيدة بشكل إرادي بمواجهة ذكرى سيئة قفزت إلينا لا إرادياً.




صناعة الماضي وذكريات المستقبل


نتمنى أن يستطيع الجميع التعامل مع الماضي وذكرياته بالطريقة المثالية، وفي فقرتنا الأخيرة نتحدث عن فن صناعة الذكريات، كيف تستطيع أن تخفف أعباء الذكريات في المستقبل؟.
بعض الأحداث والمواقف المؤلمة والسلبية لا يمكن تجنّبها أو الهروب منها مثل الفقد والحرمان وحوادث القضاء والقدر وغيرها من الأحداث التي تحصل في ظروف قاهرة، لكن هناك الكثير من الأحداث والمواقف التي تتحول إلى ذكريات مؤلمة بإرادتنا، نتيجة سوء التصرف أحياناً، ونتيجة التردد أحياناً، وربما لأننا نتسرع باتخاذ بعض القرارات، أو نتسرع بردة الفعل.
يقوم فن صناعة الذكريات على التفكير الهادئ والعميق قبل اتخاذ أي قرار، وجعل صناعة ذكرى جميلة أو على الأقل تجنب ذكرى سلبية في المستقبل هدفاً أساسياً ومحركاً للسلوك، ليس فقط لنا بل لكل من حولنا، يجب أن نحاول منح الآخرين أيضاً ذكريات جميلة ونجنبهم الذكريات المؤلمة قدر الممكن، لا تفعل ما تندم عليه كي لا تندم على ما تفعله!.







انضم الينا الى صفحتنا على الفيس بوك من هنا

تابعى المزيد

احدث المقالات

الاكثر اعجابا