ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب (Jeffrey Hayzlett) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في تحسين الإصغاء إلى الموظفين.
قبل سنوات، كنت أعمل في شركة حيث كنا نشحن المنتجات باستمرار لإتمام الأعمال في الوقت المحدد، كنا نشحنها بسرعة حتى نتمكَّن من تحقيق إيرادات وتقسيم الحصص بيننا في أسرع وقت ممكن، وعلى الرغم من أنَّ تميزنا التشغيلي بدا أنَّه في حالة حرجة، إلا أنَّنا قمنا بما قيل لنا، نسينا التزامنا بالجودة ووعدنا بتقديم الأفضل لعملائنا، ونسينا أيضاً ما كان يفعله هذا الأسلوب بموظفينا، من أعلى مستويات الشركة إلى أدناها، وعلى الرغم من أنَّنا اعترفنا بالمخاوف بشأن ما كان يحدث، لكنَّنا لم نتابعها؛ لقد انهمكنا بالعمل، وأنجزنا المهام بسرعة، ولم نفكر في الأمر.
نحن جميعاً ضللنا طريقنا في مرحلة ما، والسؤال هو: هل لدى أي شخص الشجاعة للتحدُّث عن المشكلة، وهل سيصغي أي شخص قبل أن تنهار الشركة؟ كانت ثقافتنا التنظيمية جيدة حتى هذه النقطة، وكنَّا "شركة جيدة"؛ ولكن لم يكن هنالك من أحد يستمع إلى موظفينا، كنا قد أصبحنا "نهتم بالمردود المادي فقط"، ولو واصلنا المضي قدماً، لانحدرنا إلى القاع دون أن ندري.
ثم عقدنا اجتماعاً مع الرئيس التنفيذي، وشاهدت كبار القادة ينقلبون على موظفيهم ويخبرون الرئيس التنفيذي بما يعتقدون بأنَّه يريد سماعه؛ حيث تحدثوا عن الأشياء الرائعة التي كانت تجري وكيف كان الجميع يتقدمون؛ وعندها تحلى أحد موظفينا - أحد العاملين وفق نظام العمل الساعي - بالشجاعة للتحدث، وقال إنَّ الأشياء لم تكن رائعة وأنَّنا حنثنا بالوعد الذي قطعته علامتنا التجارية وخدعنا عملائنا: "نحن لا نقوم بالأشياء، فهل من الممكن أن أرفع يدي وأن أعلن رفضي لهذا؟".
صُدم كبار القادة، وتساءلت عما سيقوله المدير التنفيذي، لابد أن يتفاجأ؛ وذلك لأنَّها المرة الأولى التي يسمع بها عن هذا، وتساءلت حينها: هل سيكون على استعداد للاستماع والإصغاء حقاً إلى ما قاله هذا الشخص؟ قال المدير التنفيذي، وهو ينظر إلى جميع مَن في الغرفة، مع التركيز بشدة على القادة: "بالتأكيد، لا بأس بهذا، هل هذا يعني أنَّنا سنخسر الإيرادات وسنُحزِن العملاء على الأمد القصير؟ نعم، ولكنَّنا سوف نصلح هذا، وفي النهاية، سنحصل على عميل أفضل مقابل أي عميل نخسره؛ وذلك لأنَّنا فعلنا الشيء الصحيح".
كان رئيسنا التنفيذي على حق، لقد تلقَّت الشركة ضربة لكنَّها تعافت في غضون عام وحققت إيرادات وأرباح قياسية، وماذا لو لم نتعافَ؟ حسناً، على الأقل لن يكون ذلك لأنَّنا فشلنا في فعل الشيء الصحيح والإصغاء.
ماذا يمكنك أن تفعل من أجل أن تصغي؟ ابدأ بفعل ما كان لدى هذا العامل الشجاعة للقيام به:
تحدَّث بصراحة واطرح الأسئلة، تحرَّك من مقعدك، وامشِ إلى مكتب، واطرح سؤالاً على شخص ما، لا تطلب شيئاً، ولا تسأله مثلاً عن التقرير الذي طلبته، ولا تسأله سؤالاً يمكن الإجابة عنه بالموافقة أو الرفض فقط، اسأل سؤالاً يجعل الناس يتحدثون بصراحة واطلب إجابة مدروسة، فكلما كان السؤال شخصياً أكثر وأقل ارتباطاً بالعمل، كان ذلك أفضل، اسأل أي شيء يظهر اهتمامك بصحتهم، وحاول إيجاد شيء لا تعرفه عنهم، كأن تسألهم عن عطلة نهاية الأسبوع؟ أو الشخص الذي يظهر في الصور التي على مكاتبهم؟ وأين يحبون تناول العشاء؟
ثم استمع للإجابة واسأل سؤالين إضافيين على الأقل للمتابعة قبل قول أي شيء عنك، هذا ما يسمى "الإصغاء الفعال"، لكنَّه لا ينجح إلا إذا توقَّفت عن التفكير في نفسك واهتممت بصدق بالآخرين، وتركتهم يطرحون عليك أسئلة أيضاً.
يبدأ جزءٌ كبيرٌ من الإصغاء بطرح الأسئلة، فإذا كنت تريد من موظفيك أن يفعلوا ذلك، فأنت بحاجة إلى أن تكون مثالاً يُحتَذى به في هذا السلوك، ولهذا السبب أنا سعيد دائماً بأن يطرح موظفي شركتي أسئلةً وجيهةً ومدروسةً عندما نطلق برنامجاً جديداً حتى يتمكَّنوا من تنفيذها أفضل تنفيذ.
عندما تفعل ذلك أكثر، لا تُظهِر للأشخاص اهتمامك فحسب؛ إنَّما تواصل معهم أيضاً وابدأ بتكوين علاقات حقيقية معهم، وعندما يشعر الموظف بهذه العلاقة، فإنَّها تجعله يرغب في العمل بجدية أكبر لخدمتك وتحقيق نتائج أفضل، فمن خلال الإصغاء إلى الآخرين، تتعلَّم أيضاً أن تضع نفسك مكان الشخص الآخر لطرح أسئلة أكبر وأكثر أهمية، مثل: ماذا يريد هذا العميل المحتمَل؟ ما الذي يمكنني فعله لمساعدة مديري على إحراز مزيد من الإنجازات؟ ما الذي يحاول الطرف الآخر في مشروعنا المشترك أو شراكتنا تحقيقه؟
بالطبع، يمكن أن تتجاوز الأسئلة الحدود في بعض الأحيان؛ إذ لا يمكن للقادة أبداً تحمُّل الأسئلة الهادفة لتقويض السلطة أو إثبات ما لا يعرفونه أو اختلاق الأعذار، وأنا غير متسامح عندما يستمر موظفي شركتي في التساؤل عن سبب قيام الشركة بما تقوم به ومهاجمتها، كما لو أنَّني لم أفكر في جميع الأطراف قبل اتخاذ القرار.