هل رأيت من قبل تلك المكاتب ذات التصاميم الغريبة، حيث آلات توزيع السكاكر في قاعات المؤتمرات، والمراجيح المعلقة بين الأشجار المزروعة داخل المكتب؟ قد ترى في الشركات التقنية -بشكلٍ خاصٍ- أموراً أشدَّ غرابةً، مثل: ماكينات بيع العصائر، وطاولات التنس. ربَّما تُحِسُّ للحظةٍ بالمتعة عندما ترى حبات السكاكر تتساقط من الآلة، لكن هل تُقدِّم الأموال التي تُنفَق في سبيل توفير ذلك أيَّ فائدةٍ ملموسة للموظفين الذين يعملون في هذه الأماكن؟
قد تتساءل: لماذا يشغل مؤسِّسو الشركات أنفسهم إلى هذا الحدّ بتزيين مكاتبهم بهذه الأشياء؟
ربَّما يكون الهدف منها نشر التعاون والمرح داخل المكتب، لكن في الغالب أنَّ مساوئ ذلك تفوق منافعه، كذلك تُظهِر الأبحاث أنَّ تلك الأشياء تُفاقِم المشاكل.
وجدَت إحدى الدراسات: أنَّ عدد الموظفين الذين يقولون أنَّهم لا يستطيعون تركيز الانتباه في أثناء الجلوس خلف المكتب، ارتفع بمقدار 16% منذ عام 2008، ومن الأمور المذهلة أيضاً: ارتفاع عدد الموظفين الذين يقولون أنَّهم لا يستطيعون الحصول على مكانٍ هادئٍ يؤدون فيه المهام التي تحتاج إلى تركيز الانتباه بنسبة 13%.
يجب ألَّا يكون المكان الذي يؤدي فيه الموظفون أعمالهم هامَّاً، طالما أنَّهم يركزون الانتباه ويعملون بجدٍّ كلَّ يوم.
يُعَدُّ العمل عن بُعد عملاً مثل أيّ عمل، وثمَّة العديد من الشركات التي يعمل جميع موظفيها عن بُعد، وقد أظهرت كثيرٌ من الدراسات والاستطلاعات فعالية العمل عن بُعد حينما يتعلَّق الأمر بالإنتاجية.
نستعرض فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الموظفين الذين يعملون عن بُعد، يقدِّمون أداءً أفضل من الذي يقدِّمه الموظفون الذين يعملون في المكاتب:
1- الإنتاجية:
مع غياب مصادر تشتيت الانتباه الموجودة في المكتب، والتمتُّع بقدرٍ أكبر من الاستقلالية، يكون لدى الموظفين الذين يعملون عن بُعد الحرية التي تتيح لهم إنجاز مزيدٍ من المهام، وهذا أمرٌ يتمنَّاه معظم الناس. وفقاً لإحدى الاستطلاعات: قال 65% من الموظفين أنَّ العمل عن بُعد يُعزِّز إنتاجيتهم، وقال 86% منهم أنَّ عمل الشخص وحيداً يتيح له بلوغ أقصى درجات الإنتاجية.
2- العمل الجماعي:
تتشكّل أفضل علاقات الزمالة بين الموظفين العاملين عن بُعد، وذلك على الرغم من المسافة التي تفصل بينهم. وسبب ذلك هو أنَّ بُعدَ المسافة يحتاج إلى إجراء مزيدٍ من عمليات التواصل. يجب على الموظفين الذين يعملون عن بُعد أن يتواصل أحدهم مع الآخر باستمرارٍ، ومن أجل هدفٍ محددٍ، دون الاعتماد على القرب الجغرافي. يؤدي هذا إلى تشكُّل علاقاتٍ أوثق، وصداقاتٍ أمتن.
وماذا عن كلِّ تلك الحوارات التي تجري عن بُعد عن طريق الفيديو؟ يقول 92% من الموظفين أنَّ التعاون عن طريق الفيديو يُعزِّز العمل الجماعي فعلاً.
3- الحضور:
تشهَد الشركات التي يعمل موظفوها من مكاتب الشركة الكثير من حالات الغياب، إذ يتصل الموظفون -في بعض الأحيان- لطلب إجازةٍ مَرَضية، وفي أحيانٍ أخرى، يغادرون عملهم مبكراً؛ لينجزوا مهمةً ما أو يحضروا إحدى المناسبات، لكنَّ الموظفين الذين يعملون عن بُعد ليسوا بحاجةٍ إلى اختلاق الأعذار؛ لأنَّهم غير مجبرين على التواجد في المكتب، إذ يمكنهم تنظيم يوم عملهم بما يتناسب مع متطلبات حياتهم، فإذا أُصيبوا بنزلة بردٍ، فبإمكانهم العمل من المنزل دون نقل العدوى إلى الآخرين؛ وإذا كانوا بحاجةٍ إلى إنجاز عملٍ ما، فيمكنهم إنجازه بسرعةٍ دون أن يتوقفوا عن العمل.
يتيح هذا للموظفين الذين يعملون عن بُعد تجنُّب الغياب، وهذا يصُبُّ في مصلحة العمل والفريق.
كانت هذه بضعاً فقط من الأسباب التي تُفسِّر تمتُّع الموظفين الذين لا يعملون من المكاتب بكفاءةٍ أكبر من التي يتمتع بها نظراؤهم الذين يعملون من المكاتب. يستطيع الموظفون الذين يعملون عن بُعد تجنُّب المشتتات، وتركيز الانتباه على الأمور الهامة فعلاً، وهي: العمل الجاد، والإحساس بالسعادة في أثناء ممارسته؛ دون الحاجة إلى ماكينات بيع العصائر، أو إلى المراجيح.