من مميزات العصر الذي نعيش فيه اليوم، أنَّ المعرفة أصبحت في متناول الجميع، خاصة أولئك الذين يمتلكون اتصالاً بالإنترنت؛ إذ بنقرة زر على الكمبيوتر، تُفتح أمامه أبواب واسعة من المعارف والخبرات!
ما المقصود بالتعلم الذاتي؟
يُقصد بـ "التعلم الذاتي": قيام الشخص (كبيراً كان أم صغيراً)، باكتساب المعلومات والخبرات والمهارات، بالاعتماد على نفسه، وبشكل مُستقل عن أي مؤسسة تربوية تعليمية؛ إذ تقع المهمة الأساسية في التعلُّم الذاتي على الشخص نفسه.
ويُعدُّ التعلُّم الذاتي سلوكاً واعياً من الشخص؛ ذلك لأنَّه نابع من دافع داخلي لديه، وقناعة ورغبة ذاتية في تحسين وتطوير نفسه، وليس نتيجة التزام معيَّن من المدرسة أو الجامعة؛ إذ يُحدد الشخص ما يُريد تعلُّمه واكتسابه، ثم يختار المصادر الهادفة والملائمة لرغباته، ويبدأ ممارسة الأنشطة والنشاطات التعليمية التي تطلبها هذه المصادر، ويضع خطة تعليمية مُناسبة لميوله وتوجهاته، وسرعته في التعلُّم، وكل هذه الأعمال يقوم بها بمفرده وبشكل ذاتي.
وهناك مجموعة من العوامل التي تؤثِّر في عملية التعلُّم الذاتي؛ مثل: عمر الشخص، ومستوى الذكاء لديه، ومواهبه، وقدراته الإدراكية، والعوائق الجسدية والاقتصادية له، والبيئة التي يعيش فيها، والعامل الأخير والأهم هو الدافع والإرادة لديه للتعلُّم.
أهمية التعلُّم الذاتي ومصادره:
تأتي أهمية التعلُّم الذاتي من الأسباب الآتية:
- نعيش اليوم في عصر تزداد فيه حدة المنافسة بشكل كبير، فتأتي أهمية التعلُّم الذاتي من كونه يُوفِّر التأهيل والتطوير للشخص المُتعلم، ممِّا يزيد من فرصته في سوق العمل.
- تظهر أهمية التعلُّم الذاتي في مواكبة التطور، والانفتاح العلمي والمعرفي الحاصل في العالم.
- يُتيح التعلُّم الذاتي إمكانية اكتساب المعرفة، وتعلُّم المهارات بأقل جهد وتكلفة، ومن دون تقيُّد بالزمان والمكان.
- يمنح التعلُّم الذاتي دوراً للمُتعلم، ويضمن له المشاركة والتفاعل، وإبداء الرأي والملاحظات.
- يُوفِّر التعلُّم الذاتي تغذية راجعة للمُتعلم، أي تقييماً لمستواه أولاً بأول، ممَّا يُساعده في تحسين أدائه بشكل دائم.
يُمكِّن التعلُّم الذاتي الشخص المُتعلم من اكتشاف نفسه من جديد، واكتشاف مواهبٍ وميولٍ لديه، لم يكن يعرفها.
مصادر التعلم الذاتي:
هناك مصادر مُتعددة للتعلُّم الذاتي، تُتيح للشخص المُتعلم تطوير نفسه، وشخصيته، واكتساب المعارف والمهارات، وهي كالآتي:
- المطالعة من الكتب، والمنشورات، والمكتبات.
- حضور المؤتمرات، والمحاضرات، والأنشطة الثقافية.
- وسائل الإعلام.
- المواد التعليمية المُبرمَجة، والمطبوعة، والصوتية أو المرئية.
- المواقع التعليمية عبر الإنترنت.
خصائص التعلُّم الذاتي:
هناك مجموعة من الخصائص التي تُميز التعلُّم الذاتي، وهي:
- مُراعاة الفروق الفردية بين المُتعلمين: من أهم خصائص التعلُّم الذاتي، أنَّه يُراعي الفروق الفردية بين المُتعلمين؛ إذ إنَّه يأخذ بعين الاعتبار الحاجات الخاصة لكل مُتعلم، ورغباته، واهتماماته، وقدراته.
- التطور: يُتيح التعلُّم الذاتي للشخص المُتعلم التطور والتقدم، بشكل أفضل وأسرع.
- القرار الذاتي: تتم عملية التعلُّم الذاتي بقرار شخصي وذاتي من الشخص المُتعلم بكامل إرادته ورغبته، وتُعدُّ هذه الخاصية من الخصائص المميزة للتعلُّم الذاتي.
- التخلص من أسلوب التعليم التقليدي: يتم في التعليم الذاتي استخدام أساليب وأنشطة جديدة ومختلفة، عن أساليب التعليم التقليدي.
- تقييم مستوى المُتعلم: يتم في عملية التعليم الذاتي تقييم مستوى المُتعلم، وذلك من خلال أنظمة التغذية الراجعة، ومعرفة ما يلزمه من وقت وجهد.
- الحرية الكاملة: يُعطي التعلُّم الذاتي الحرية الكاملة للشخص المُتعلم، في اختيار الوقت الذي يُناسبه، والأسلوب الذي يُحبه في التعلُّم.
- التعلُّم مدى الحياة: يدعم التعلُّم الذاتي شعار التعلُّم مدى الحياة، أي أنَّه يُتيح للشخص أن يستمر في التعلُّم مدى حياته.
مزايا التعليم الذاتي:
توجد عديد من المزايا للتعلُّم الذاتي؛ مثل:
1. المرونة:
يتميز التعليم الذاتي بدرجة عالية من المرونة؛ إذ إنَّه يُمكنك أن تختار أوقات التعلُّم التي تُناسبك، وفقاً لدراستك، أو عملك، أو حتى عائلتك، كما يُمكنك اختيار المحتوى الذي تريد تعلُّمه، والتحكم في المقدار الذي تُريد تعلُّمه لليوم الواحد.
2. تنمية الفضول:
يُوسِّع التعليم الذاتي مدارك الإنسان، فكلما تعلم شيئاً جديداً، يزداد فضولاً لتعلُّم المزيد، ويبدأ البحث عن آفاق جديدة ليدخلها وينهل منها.
3. الثقة بالنفس:
يُعزز التعلُّم الذاتي من ثقة الإنسان بنفسه، فهو يشعر بالإنجاز وتطوير الذات، في كل مرحلة يتقدم فيها بالتعلُّم.
طرائق التعلُّم الذاتي:
يتم اتِّباع مجموعة من الطرائق التعليمية، في تطبيق التعلُّم الذاتي، وهي:
1. التعلم المُبرمَج:
تتميز طريقة التعلُّم المُبرمَج بمُراعاتها الفروق الفردية بين الطلاب، واختلاف الاستيعاب وسرعة التعلُّم لديهم. وتتم هذه الطريقة من خلال وضع برنامج مُتسلسل، ومُنظَّم، ويكون مُكوَّناً من أجزاء، بحيث تُناسب قدرات المُتعلم، ليتمكن من إنجازها بسهولة.
2. التعلُّم الإلكتروني والتكنولوجي:
في طريقة التعلُّم الإلكتروني، تُستخدم شبكة الإنترنت في الحصول على المعرفة بمُختلف أنواعها، سواءً مكتوبة كانت، أم سمعية، أم بصرية، بحيث يستطيع المُتعلم الحصول على المعلومة من عدة مصادر.
3. التعلُّم بالاستقصاء والاكتشاف:
يُقصد بطريقة التعلُّم بالاستقصاء والاكتشاف؛ أن يستخدم المُتعلم البحث والقراءة، ولا يقبل المعلومة كما هي، ولا يأخذها كمُسلَّمات، بل يُثير التساؤلات، ويبحث في أكثر من مصدر، ليصل إلى المعلومة الدقيقة والموثوقة.
4. التعلُّم في مجموعات صغيرة:
يعتقد البعض أنَّ طريقة التعلُّم في مجموعات صغيرة، تتعارض مع فكرة التعلُّم الذاتي، ولكنَّ واقع الأمر عكس ذلك، فهي تُساعد المُتعلم في الوصول إلى المعلومة من خلال تبادل الأفكار والآراء مع غيره.
5. التعلُّم بأسلوب حل المشكلة:
يقوم الشخص المُتعلم في هذه الطريقة، بمُحاولة حل المشكلة بنفسه بشكل فردي، وذلك عند وجودها أو في حال افتراضها؛ الأمر الذي يُكسبه مهارة وقدرة على حل المشاكل بطريقة إبداعية.
6. التعلُّم بالتمثيل والدراما:
يتم إيصال وفهم المادة التعليمة في طريقة التعلُّم بالتمثيل والدراما، من خلال قيام الشخص المُتعلم بتمثيل دورٍ ما بنفسه للمادة التي يُريد تعلُّمها.
7. التعلُّم الميداني:
يزور المُتعلم في التعلُّم الميداني المتاحف والآثار، والحدائق والغابات، وكذلك المؤسسات، ليحصل على المعلومة من أرض الواقع.
8. التعلُّم من خلال المشاريع الذاتية:
يتم تكليف المُتعلم في طريقة التعلُّم من خلال المشاريع الذاتية، بعمل مشروع كامل من حيث الخطة والتنفيذ، ويتكفل بكل حيثياته وتفاصيله، ويكون مسؤولاً عنه بشكل تام.
استراتيجيات التعلُّم الذاتي:
يوجد أكثر من استراتيجية لتطبيق التعلُّم الذاتي، وهي:
1. استراتيجية التعلُّم بالاختبار:
تهدف استراتيجية التعلم بالاختبار إلى إخضاع الطالب لاختبارات قد تكون على شكل تحريري، أو اختيار من متعدد، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز قدرته على تذكُّر المعلومات.
2. استراتيجية التفسير الذاتي التفصيلي:
تُحفز استراتيجية التفسير الذاتي التفصيلي الطالب ليُثير الأسئلة حول المحتوى التعليمي، وذلك لتنشيط الذاكرة لديه، ممَّا يُعزز فهم المادة بشكل أفضل.
3. استراتيجية الممارسة الموزعة:
يتم في استراتيجية المُمارسة المُوزعة، تقسيم المحتوى إلى أجزاء، ودراستها في جلسات مختلفة، وبهذا يتم توزيع الجهد، ممَّا يضمن تذكُّر المعلومات فترة طويلة.
4. استراتيجية المُمارسة المُتداخلة:
يتم في المُمارسة المُتداخلة، دراسة مواضيع مختلفة أو مواد متنوعة في الوقت نفسه، بدلاً من دراسة مادة واحدة، حيث أثبتت هذه الاستراتيجية فاعلية في تنمية مهارات العقل، والقضاء على الملل في أثناء الدراسة.
5. استراتيجية جدول التعلُّم الذاتي:
تُعدُّ استراتيجية جدول التعلُّم الذاتي، من أحدث استراتيجيات التعلُّم الذاتي التي أثبتت نجاحاً، خاصة مع طلاب المراحل الابتدائية، وتعتمد الاستراتيجية على الاستفادة من الخلفية المعرفية السابقة للطلاب؛ إذ يُمكن عدُّها استراتيجية تمهيدية تجعل الطالب يتذكر ما سبق له دراسته، وهي تعتمد على جدول يتم توزيعه على الطلاب كتمهيد لبدء الدرس، ويتم تصميمه بحيث يتألف من ثلاثة أسئلة يُجيب عنها الطالب، وهي:
السؤال الأول: "ماذا أعرف؟"؛ الغاية منه تقييم معلومات الطالب، وذلك لتحديد احتياجاته.
السؤال الثاني: "ماذا أريد أن أتعلَّم؟"؛ للتعرف على ما يُريد الطالب تعلُّمه، وما يُثير عقله. وهنا قد يكتب الطالب أشياء ليس لها إجابات داخل المقرر الدراسي، فيُضيف المُعلِّم خانة اسمها: "كيف سأحصل على الإجابة؟"، ويُعطيه مهلة للبحث عنها، سواءً بالاستعانة بالوالدين، أم بالبحث عبر الإنترنت، أم باستخدام مكتبة المدرسة، ثم بعد ذلك يُناقشه بالإجابة التي حصل عليها، ويُوضِّح له ما يحتاج إلى التوضيح.
السؤال الثالث: "ماذا تعلَّمت؟"؛ وذلك لمُناقشة المعلومات التي تعلَّمها الطلاب.
والجدير بالذكر، أنَّه يُنصح باستخدام هذه الاستراتيجية في الدروس التي سبق للطالب دراستها؛ إذ إنَّها لا تكون ذات فائدة في حال تطبيقها على دروس جديدة.
أهداف استراتيجية جدول التعلُّم الذاتي:
- تحريك المعرفة السابقة للطالب من خلال العصف الذهني.
- زيادة فهم الطالب للموضوع.
- تدريب الطالب على البحث والوصول إلى المعلومة التي يُريد.
- توسيع آفاق الطالب خارج المقرر الدراسي المُلتزم به.
- يتم استخدام عديد من المهارات في هذه الاستراتيجية؛ من أهمها: مهارة القراءة والكتابة، ومهارة الاستماع والحوار والمناقشة، ومهارة الاستنتاج والاستبيان والاستقراء والتحليل.
كيف يُمكن تطبيق التعلُّم الذاتي في مدارسنا وجامعاتنا؟
يتطلب تطبيق عملية التعلُّم الذاتي في مدارسنا وجامعاتنا، ما يأتي:
1. متطلبات مكانية:
يحتاج تطبيق التعلم الذاتي إلى مقاعد فردية سهلة الحركة، وأجهزة حاسوب متطورة، ومخابر علمية، وشبكة إنترنت، ونقاط كهربائية في المدارس والجامعات.
2. متطلبات إنتاجية:
يتطلب التعلُّم الذاتي توفُّر أدوات رسم وأقلام، وآلة كاتبة وناسخة، ولوحات عرض.
3. المكتبة:
تُعدُّ المكتبة من أهم متطلبات التعلُّم الذاتي، بحيث تضم كل المصادر والمراجع التي قد يحتاج إليها الطالب، وأن يتم تنظيمها وترتيبها حسب نوع الكتب وحسب كل اختصاص.
4. دور الإدارة المدرسية أو الجامعية في التعلُّم الذاتي:
- دعم عملية التعلُّم الذاتي وتفعيلها في المدرسة أو الجامعة.
- إيجاد أماكن مُخصصة للتعلُّم الذاتي، مُجهزة بالأدوات والأجهزة اللازمة.
- اختيار كادر تدريسي مؤمن بالتعلُّم الذاتي، ومؤهل لتطبيقه، أو تدريبه على ذلك.
5. دور المُعلمين:
للمعلمين دور فاعل في تطبيق عملية التعلُّم الذاتي وإنجاحها، وذلك من خلال:
- التعرف على قدرات المتعلمين وميولهم.
- تدريبهم على التفكير خارج الصندوق، وعدم التعامل مع المعلومة ما على أنَّها من المُسلَّمات.
- توجيه الطلاب، وتقديم المشورة والنُصح إليهم.
- تحفيزهم على البحث والاستكشاف، وعدم تقديم المعلومة جاهزة لهم.
- استخدام أسلوب استثارة التفكير وتحدِّيه، بطرح مشكلة وطلب اقتراح الحلول.
- تشجيع التفكير الاستنتاجي والاستقرائي لدى الطلاب.
- استخدام أسلوب التفاعل والنقاش وتبادل الأفكار، وتجنب أسلوب التلقين.
- إعطاء المُتعلم كامل الحرية في التعبير عن ذاته وآرائه لو كانت مختلفة عن أقرانه.
- تكليفهم بإجراء الأبحاث، وبيان رأيهم فيما توصلوا إليه.
- تقييم مستوى المُتعلمين بشكل دائم، لاكتشاف نقاط ضعفهم، ومُعالجتها.
منصاتٌ للتعليم الذاتي:
توجد عديد من منصات التعليم الذاتي على شبكة الإنترنت، بمئات اللغات، وهي تُتيح الدورات التدريبية المعروفة باسم "الدورات المفتوحة الضخمة على الإنترنت" (Massive Open Online Courses) أو (MOOCs) اختصاراً.
ومن أهم وأشهر منصات التعلُّم الذاتي العربية: منصة نفهم، منصة إدراك، منصة ندرس، منصة مهارة، منصة بيمز.
ومن أهم المنصات الأجنبية باللغة الإنكليزية، والتي من الممكن أن يوجد فيها بعض المواد مُترجمة باللغة العربية، ولغات أخرى: منصة كورسيرا، منصة الجامعة المفتوحة، منصة أليسون، منصة أيفرستي، منصة التعليم المفتوح، منصة أكاديمية خان، منصة بوداستي، منصة إديوكارت، منصة إيدكس.
في الختام، التعلُّم الذاتي طريقنا نحو التطور:
ممَّا لا شك فيه، أنَّ التعلُّم الذاتي هو الطريق الذي يضمن لنا التطور على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد المجتمع؛ إذ عندما يبدأ الشخص بالتعلُّم الذاتي، تكون النتيجة شخصاً بمهارات وخبرات جديدة، يستفيد منها على الصعيد الشخصي في الحصول على فرصة عمل، أو تغيير وظيفة لا يُحبها، وبالمقابل يُفيد مجتمعه بكونه أصبح فرداً أكثر فائدة وقيمة.