تدريب وتعليم / القراءة / الاستراتيجية /

القراءة السريعة: أنواعها، وأساسياتها، وأهم استراتيجياتها

القراءة السريعة: أنواعها، وأساسياتها، وأهم استراتيجياتها - هنا hana

إن كنت في حالة اعتزال مطلق للكتب؟ وكيف هذا والكتاب هو المكان الرائع الذي تجتمع فيه تجارب الآخرين وخبراتهم وتميُّزهم وعصارة حياتهم، بطريقة مجانية؟ كيف وهو المكان حيث تستطيع تنمية مهارة التحليل والنقد لديك، وحيث تستطيع الربط بين كثير من المعلومات للوصول إلى معلومة مبتكرة؟ إنَّه الوسيلة الذي تجعلك أقوى وأنضج وأكثر حكمة، وهو الوسيلة التي تنير دربك، وتُوضِّح لك خطواتك وأهدافك. إنَّه الشيء الذي يمنحك الكثير من دون أن يطلب منك شيئاً. إنَّه الكائن الأكثر كرماً، والأكثر رقياً على وجه الأرض.

آن الأوان لتبنِّي منظور أكثر عمقاً عن الكتاب. آن الأوان لبناء علاقة أكثر قوة مع نِعَم الله علينا، فمَن قال إنَّ العين محدودة الإمكانيات؟ ومَن قال إنَّ العقل لا يستطيع التعامل إلَّا مع كمٍّ محدود من المعلومات، وأنَّه سوف يضطرب ويرتبك بوجود كمٍّ أكثر من المعتاد عليه معالجته؟ لقد قولبنا إمكانياتنا وطاقاتنا إلى الحد الذي ظلمنا فيه أنفسنا، ومنعنا ذاتنا من عيش متعة التطور ورونقه. فكيف لك أن تقرأ كثيراً من الكتب، وتستفيد من هذا الزخم الرائع، إن لم تكن تمتلك تلك الثقة، وتلك القناعة التي لا تتزعزع، بإمكانياتك وقدراتك.

لا تنهض الأمم إلا من خلال عقول أبنائها، ولا تنهض عقول أبنائها إلا من خلال القراءة والاطلاع وتنمية الثقافة. ولكي تكون قارئاً ناجحاً، عليك أن تبني تقنيات فعَّالة في أثناء القراءة، تساعدك على استثمار نِعَمك بالشكل الأمثل، وتحقيق الاستفادة من الطاقة القصوى لعقلك. اعلم أنَّ عقلك يتمدد بناءً على ما تقدمه إليه؛ فإن أنت اعتدت على قراءة كتاب واحد خلال السنة، فهذا يعني أنَّ قدرات عقلك ستتلاءم مع المعايير التي وضعتها له. أمَّا في حال تدريبه على قراءة عدد أكبر من الكتب، فأنتَ تقوم بتمديده والاستفادة من طاقاته العظمى بالشكل الأمثل. إذاً، المسألة مسألة تدريب ليس أكثر من ذلك، وبمقدار ما تُدرِّب عقلك على العمل، بمقدار ما تستفيد من إمكانياته.

ما تقنية القراءة السريعة؟ وما استراتيجياتها وأنواعها؟ مدار حديثنا خلال هذا المقال.


ماهي القراءة السريعة؟


هي تقنية رائعة للاستفادة من معلومات الكتاب الذي تقرأه استفادةً قصوى، وبحيث تستخدم إمكانيات عقلك وعينيك بالشكل الأمثل، وبأقصر وقت ممكن. هي التقنية المميزة البعيدة عن تقنية القراءة التقليدية القائمة على التعامل مع العقل والعين على أنَّهما أدوات محدودة وضعيفة. إنَّها التقنية الأكثر فعَّالية اليوم لكي تكون قارئاً أفضل، وبالتالي شخصاً أفضل.

القراءة التمهيدية السريعة:


وهي شبيهة بقراءة التصفح؛ إذ إنَّها تقوم على أخذ فكرة عامة عن الكتاب، بحيث تكون فكرة شاملة وغنية، من خلال قراءة عنوان الكتاب، ومن ثمَّ التركيز على الفهرس، وما يحويه الكتاب من فصول، ومن ثمَّ قراءة الفقرات الأساسية قراءة سريعة من خلال العين، مع تفحُّص الرسوم والجداول في حال وجودها، ليصل القارئ في نهاية الأمر إلى بناء صورة صحيحة عن فحوى الكتاب، ومدى أهميته إليه.


أساسيات القراءة السريعة:


1. التخلص من عادات القراءة السيئة:


عليك بداية أن تتحرر من القراءة التقليدية الطفولية القائمة على القراءة كلمة بكلمة، ثم إنَّ عليك أن تدرك أنَّ إمكانيات عقلك وعينيك أكبر بكثير من ذلك. فالعين قادرة على التعامل مع جمل كاملة، وأسطر كاملة، ومن ثم صفحة كاملة. والعقل قادر على معالجة كمٍّ هائل من المعلومات في الثانية الواحدة. من جهة أخرى، عندما تبدأ القراءة، ثق بنفسك وعقلك وعينيك وقدرتك على الاستيعاب، ولا ترجع إلى بداية الجملة أو الفقرة في كل مرة، بل استمر في القراءة حتى إن شعرت بأنَّك لم تُحِط بالفكرة بطريقة كاملة. لا تخف، فعقلك سيتكفل بالأمر، وسيكون قادراً على ربط الجمل والوصول إلى المعلومة المفتاحية. ثم إنَّ عليك إلغاء عادة القراءة بصوتٍ عالٍ؛ إذ على الرغم من المعتقد الشائع بأنَّ القراءة بصوتٍ عالٍ مفيدة وتمنح الإنسان تركيزاً عالياً، إلا أنَّ الدراسات الحديثة أثبتت فشل هذه الطريقة، لكونها تُبطِّئ فعَّالية العين والعقل وسرعتهما المذهلة.

2. الهدف:


يجب أن يكون الهدف من قراءتك للكتاب محدداً في عقلك، فالذي يجعلك تلتزم القراءة هو وضوح الغرض منها. ولا يمكن التزام القراءة إن لم تكن الغاية من الفعل واضحة وصريحة.


3. الاهتمام:


لا يمكنك القراءة بمتعة إن لم تكن مهتماً بفحوى الكتاب؛ لذلك اصنع حالة من الاهتمام الإيجابي في أثناء قراءتك، كأن تتذكر الفوائد التي ستجنيها على الصعيد العلمي والشخصي بعد الانتهاء من قراءة كتاب ما، أو تتذكر الناحية النظرية التأسيسية التي سيضيفها لك هذا الكتاب تمهيداً لدخولك المجال العملي. بمجرد صنع اهتمام أمام المادة المطروحة، ستنجذب عيناك إلى القراءة والمعلومات.

4. خارطة الكتاب:


ابنِ خارطة للكتاب قبل بدء قراءته، وذلك من خلال الاطلاع بداية على الفهرس، من أجل تأسيس رؤية واضحة عن محاور الكتاب، تمهيداً لتنظيم الأفكار فيما بعد في محاورها المناسبة، ومن أجل تقليل التشتت الحاصل في أثناء قراءة الكتاب.

5. العين والعقل:



أهم أدوات القراءة السريعة هما العين والعقل. فبينما يعتقد الناس أنَّ العين عضو محدود الإمكانيات، إلا أنَّها تحوي على إمكانيات مذهلة، فهي تستطيع تمييز أكثر من 10 ملايين لون مختلف، كما تستطيع لحظ صفحة كاملة في جزء من عشرين جزءاً من الثانية. لاحظ أنَّك إذا نظرت إلى شيء معيَّن، فأنت قادر على رؤية كل ما هو محيط به؛ الأمر الذي يجعلنا نؤمن بحقيقة أنَّ عليك تغيير منهجية القراءة كلمة كلمة، لأنَّ مساحة الرؤية تسمح لك بذلك، أي أنَّك تستطيع بدء تحريك عينيك بحيث تقرأ جملة جملة، ومن ثم سطراً سطراً. من جهة أخرى، تملك العين القدرة على التقاط الصور، واستيعابها؛ لذلك تستطيع التقاط صورة للفقرة، ومن ثمَّ تحديد الكلمات المفتاحية لها، بحيث يستطيع الدماغ خلق رابطة بينها، لفهم الفقرة كاملة.

أمَّا العقل فهو قادر على تخزين 65 ألف معلومة في الثانية الواحدة؛ لذا لا تخشَ من سرعة عينيك في القراءة، فعقلك قادر على معالجة كل المعلومات الداخلة إليه من العينين. والاستيعاب ليس له علاقة بسرعة القراءة، بل بالموجة التي يكون فيها العقل على استعداد لتلقِّي المعلومات واستيعابها؛ فعلى سبيل المثال، لن يستطيع الشخص استيعاب أي معلومة، في حال كان بحالة من النعاس الشديد، في حين أنَّه يستطيع تلقِّي كل المعلومات، وفهمها الفهم الصحيح، إن كان الجو المحيط به هادئاً، وكان الإنسان في وضعية مريحة، ولا يوجد أي مثير للعصبية مثل الجوع أو التعب أو الضجة أو غيرها؛ حيث تسمى موجة الدماغ هذه بألفا، وهي أفضل موجة لاستيعاب المعلومات.

6. الأدوات المساعدة:


لن تستطيع القراءة بسرعة معتمداً على العين، إلا بمساعدة أداة في المرحلة الأولى؛ لذلك يُنصح باستخدام القلم من أجل تتبُّع الكلمات، على أن تكون سرعة القلم كبيرة لكي تُجبِر العين بداية على اللحاق به، والتدرُّب على السرعة. ولا تقلق إن لم تستوعب كل المعلومات التي تقرأها بسرعة؛ إذ إنَّ عليك بداية التدرب على التقنية أكثر من التدقيق على المضمون. وعندما تتمكن من التقنية، ستتمكن حينها من الفهم بطريقة سلسة؛ ذلك لأنَّ دماغك سيصبح معتاداً على السرعة.


7. الصورة السلبية:


ألغِ الصورة السلبية التي تمتلكها عن نفسك، والتي تعزز فكرة أنَّه من الصعب عليك أن تكون قارئاً سريعاً، وأنَّ إمكانياتك العقلية متواضعة جداً. اعلم أنَّ المسألة مسألة تدريب وإصرار، ليس أكثر من ذلك.

أنواع القراءة السريعة واستراتيجياتها:


1. قراءة التمشيط:


هي القراءة التي يكون هدفها البحث عن معلومة معيَّنة (مفردة، تعريف، مصطلح)، وتكون مصادرها عبارة عن المعاجم أو الموسوعات أو الكتب. وتقوم استراتيجياتها على البحث بالحرف الأول أو البحث بالعنوان.


2. قراءة التصفح:


وهي القراءة التي تقوم على تقليب الصفحات للتعرف على الفكرة العامة، وتهدف إلى أخذ انطباع عام عن الكتاب، أو اتخاذ قرار اقتناء كتاب، أو التمهيد لقراءة مركَّزة. وتكون مصادرها عبارة عن الكتب والصحف والمجلات. واستراتيجياتها عبارة عن قراءة الفهارس، ومطالع الفقرات، وفحص الأشكال والرسوم، وقراءة مطالع الفصول الهامة.

3. القراءة الانتقائية:


وهي القراءة التي تقوم على التصفح السريع للبحث عن مادة مُنتقاة، ومن ثمَّ العودة لقراءتها قراءة متأنية. تهدف إلى الاستمتاع أو الاستزادة في موضوع معيَّن. ومن مصادرها: الكتب والصحف والمجلات. ومن استراتيجياتها: التصفح والانتقاء والعودة لقراءة المُنتقَى.

4. القراءة على الإنترنت:



وهي قراءة التصفح للبحث عن المعلومة أو متابعة المستجدات. ويُشترط في استراتيجياتها إجادة استخدام الحاسب الآلي، وإجادة البحث عن الكلمات المفتاحية.

5. قراءة النصوص الوظيفية:


وهي القراءة التي تكون جزءاً من العمل الوظيفي، وتجيب عن الأسئلة الخمسة الآتية (من، ماذا، متى، أين، لماذا؟). تهدف إلى تحقيق المنفعة في العمل، وإدارة العلاقات بين الأقسام. ومن مصادرها: الشكاوى، العروض، التقارير، المقترحات، المعاملات، الدعوات.

الخلاصة:


لا تكن جاحداً بالنِّعم التي تمتلكها، بل اختبر ما لديك منها، وضعها موضع التجربة، والتزم بذلك وتدرَّب بشكل يومي، وستجد النتائج المذهلة التي تشمل تحوُّلك إلى قارئ يجمع ما بين السرعة والاستيعاب.








انضم الينا الى صفحتنا على الفيس بوك من هنا

تابعى المزيد

احدث المقالات

الاكثر اعجابا