تتطلب الحياة البشرية نوعاً من الإدارة في تسييرها، فلا يمكن ترك اللجام بدون أي قواعد أو قوانين، كذلك الحال ينطبق على المنظمات والمؤسسات المختلفة بالدولة، وتتولى الإدارة العامة مسؤولية تسييرها، وفقاً لقواعد وضوابط سياسية تساهم في تشريعها، ولعل تعريف الإدارة العامة واحدة من المفاهيم التي وُجدت قديماً، إلا أنه لا يزال يشوبه بعض الغموض، والذي سيُرفع بلا شك بعد قراءة هذا الموضوع، ومعرفة كل ما يتعلق عن الإدارة العامة.
نشأة مفهوم الإدارة العامة
ظهر مفهوم الإدارة العامة في العصور الوسطى، عندما دعت ظروف الحياة إلى كسب الأموال، فظهرت الحاجة إلى دراسة الأسس التي يمكن بواسطتها الحصول على المال، ولكن مع تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ظهرت الإدارة العامة كمصطلح مرتبط بالسياسة العامة للدولة، ويعتبر علماً شاملاً، يركز على ضرورة الكفاءة والفعالية في تحقيق الأهداف المتوقعة، ولا تقتصر على جهة أو نشاط معين، فهي شاملة كل الهيئات والمنظمات، والتي تعمل لتلبية الاحتياجات العامة وتنفيذها بما يخدم المصالح العامة.
مداخل الإدارة العامة
تطور مفهوم الإدارة العامة بتطور المجتمعات، كنتيجة للتقدم الاقتصادي وانتشار الأفكار الاشتراكية، وظهور النظم السياسية الاشتراكية، وزيادة أعباء الدولة في مختلف المجالات، والتي استدعت تدخل الإدارة العامة لإرساء عدة قواعد، ويمكن فهم مداخل الإدارة العامة وما ترمز إليها من خلال شرح مبسط لها فيما يلي:
المدخل التقليدي للإدارة العامة
هو المدخل الذي يرى الإدارة العامة تتمثل في صورة أداة لتنفيذ السياسة العامة للدولة، فهي تمثل مزيجاً بين القوانين واللوائح والعلاقات والأنشطة التي يتم ممارستها داخل المنظمة، أو بمعنى آخر الدستور الحاكم للمؤسسة، الذي يساعد على تطبيق وحماية السياسات العامة للدولة، ويشمل هذا الاتجاه عدة مداخل تساعد على فهم الإدارة العامة، وهي كالآتي:
الربط بين الإدارة العامة والسياسة العامة
تشير العديد من التعريفات والمفاهيم الخاصة التي وضعها كبار الباحثين حول الإدارة العامة على أنها الأداة والوسيلة التي نقوم بتنفيذ سياسات الدولة داخل مؤسساتها، إلا أن جميع التعريفات تناولت الهدف من الإدارة العامة دون تحديد الجوانب والخصائص التي تميزها، وهذا لا يمكن تقبله في العصر الحديث، نظراً لظهور الأعمال والشركات الخاصة التي تقوم بتنفيذ سياسات الدولة أيضاً.
الربط بين الإدارة العامة والنشاط الإداري الحكومي
يربط هذا الاتجاه بين تعريف الإدارة العامة والنشاط الإداري الذي تقوم به الحكومات، ويشير الباحثين في تعريفاتهم المختلفة حول هذا المدخل إلى دخول الإدارة العامة في السلطة التنفيذية فقط، إلا أن هذا أيضاً لا يتناسب مع مفاهيم العصر الحديث بدرجة كبيرة، بعد أن شملت الإدارة العامة جميع السلطات، التنفيذية، التشريعية، والقضائية.
الربط بين الإدارة العامة والأجهزة الإدارية
المدخل الأخير الذي يوضح تعريف الإدارة العامة، ومدى ارتباطها بالأجهزة الإدارية التي تمثل كيان الهيئة أو المؤسسة، والتي تهتم بتسيير الأمور الإدارية للمنظمة، دون النظر إلى الجانب الموضوعي والخصائص التي ستقوم عليها.
المدخل الحديث للإدارة العامة
يشير المدخل الحديث إلى الدور الكبير للإدارة العامة في تشكيل السياسات العامة للدولة وتنفيذها، حيث يرى أن تعريف الإدارة العاملة يشتمل على علم وفن وضع السياسات العامة للدولة، والحرص على تنفيذها، أو بمعنى آخر توسيع الدور الذي تلعبه الإدارة العامة، من حيث عدم الاكتفاء بتطبيق سياسة الدولة، بل التدخل في تشكيلها والمساهمة في تنفيذها.
وبناءاً عليه فإن الإدارة العامة ستتأثر بعدة عوامل، كالبناء السياسي، نظام الحكم، والبناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع، لذلك تصبح دراسة الإدارة العامة غير مجدية، من دون التطرق لدورها في عملية وضع وتشكيل السياسة العامة، وفي ضوء المداخل والاتجاهات السابقة يمكن تحديد تعريف الإدارة العامة بشكل أوضح.
تعريف الإدارة العامة
هي مجموعة الوظائف والعمليات الإدارية التي تهتم بتخطيط وتنظيم وتوجيه الأعمال والأنشطة التي يتم ممارستها في منظمات الدولة وأجهزتها المختلفة، لتحقيق المصلحة العامة لها، بما يخدم تحقيق أهداف المجتمع، مع الأخذ في الاعتبار العوامل والمتغيرات البيئية والمجتمعية، الداخلية والخارجية، لتطوير الإدارة العامة بما يتناسب مع التطورات الجديدة.
مداخل دراسة الإدارة العامة
الإدارة العامة تعتبر من العلوم التي تستدعي دراستها بشكل دقيق، فبالإضافة إلى المداخل السابقة إلا أن اختلاف وجهات النظر حول المشكلات التي تحيط بالإدارة العامة وطبيعتها أدى إلى اختلاف في طريقة البحث والتحليل، مما ترتب عليه اختلاف طرق ومناهج الدراسة، ويمكن تلخيص المناهج التي قامت بدراسة علم الإدارة العامة في 5 مراحل، وهي كالآتي:
المدخل الدستوري القانوني التاريخي
يحدد القانون الإطار الذي تعمل به الإدارة العامة، وفقاً لعدة معايير تتمثل في الحقوق الأساسية والإجرائية للأفراد والجماعات في المجتمعات، بجانب تحديد صلاحية الأفراد، بما يضمن العدالة القانونية للأفراد، من التعسف والتسلط والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم.
يعتمد هذا المدخل بشكل أساسي على الهيكل التنظيمي الذي يضمن سير الإجراءات الخاصة بعمليات التظلم إلى أقصى درجة من الشفافية، بما يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد، بجانب تحقيق العدالة وتطبيق سياسة العدل وتوزيع الحقوق بين الأفراد، والنظر إليه على أنه شخص مميز بذاته داخل المؤسسة.
المدخل التنظيمي الوصفي
يقوم هذا المدخل على دراسة تنظيم وتشغيل الجهاز الإداري، والربط بينه وبين الإدارات المختلفة داخل المؤسسة، خاصة الأجهزة الإدارية، شئون العاملين، والإدارات المختصة بالنواحي المالية والقانونية، بما يضمن تحقيق التناغم الكامل الذي يخدم مصلحة المؤسسة بوجه عام، والرقابة الجادة على العمليات الإدارية.
المدخل الوظيفي
يرى هذا المدخل – الذي ظهر في أواخر القرن العشرين – ضرورة تطبيق أساليب إدارة المنظمات العامة بشكل متماثل مع إدارة المنظمات الخاصة، التي تتضمن القيام بالوظائف الإدارية المختلفة، من تخطيط، وتنظيم، وقيادة، وصنع قرار، ويكون دور الموظفين هو تنفيذ تلك السياسات وليس التدخل في وضعها، كما أشارت الكثير من المداخل السابقة.
يقوم المدخل على هيكل تنظيمي يهدف إلى التخصص وتقسيم العمل بين أفراد المنظمة الواحدة، وتدرج السلطة، وتحديد الصلاحيات والمهام الخاصة، والنظر إلى أفراد المنظمة بعين مجردة من العواطف أو المشاعر، باعتبارهم أدوات تحقق المصلحة العامة فقط، فالعواطف تؤثر على أداء الموظفين بما ينعكس بالسلب على أداء المنظمة في المجمل.
منهج المقارنة
تعريف الإدارة العامة خضع للعديد من المقارنات بين الباحثين للوقوف على المفهوم الذي يشير إليه، إحدى المناهج تقوم على دراسة الإدارة العامة في بلدين أو أكثر، للوصول إلى قواعد أصلية يمكن تطبيقها، بمستوى جودة أعلى وطريقة أفضل، والحفاظ على الثوابت الراسخة التي لا يمكن تغييرها باختلاف الظروف الاجتماعية والبيئية والسياسية بين بلد وأخرى، وهذا ما يتم اكتشافه بعقد المقارنات وتحليلها بدقة.
المدخل البيئي
يجدر الإشارة إلى أن دراسة علم البيئة المحيطة بالمنظمة يعرف باسم (الأيكولوجي)، ويشير هذا المدخل إلى أنه لا يمكن تعميم نظام بلد معين في بلد آخر، مما يساعد الدول النامية على دراسة البيئة المحيطة لها لفرض السياسات الخاصة بالإدارة العامة، وهذا لا يتعارض مع المدخل السابق القائم على المقارنات مع ترسيخ بعض المبادئ الثابتة، إلا أن هذا المدخل يعمل على دراسة العوامل البيئية المؤثرة في الإدارة، باعتبارها منظمة تفاعلية لا يمكن فصلها عن المجتمع.
أهمية الإدارة العامة
بعد التطرق إلى نشأة ومداخل دراسة علم الإدارة العامة، وضح جلياً أهمية الإدارة العامة كنشاط إداري سياسي، يمارس في المؤسسات الحكومية المختلفة، يشترك في وضع السياسات العامة للدولة، ويكون إحدى الأطراف المشاركة في عملية التنفيذ، في ضوء أسس وقواعد معينة، وتتمثل أهمية الإدارة العامة فيما يلي:
- القيام بالأنشطة التي يعجز عنها القطاع الخاص، لعدم قدرتها على تحقيق الأرباح المتوقعة، أو لضخامة الاستثمارات اللازمة والتي لن تستطيع استيعابها.
- تتولى حفظ الأمن والسلامة والدفاع عن حقوق العاملين، من خلال توفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وغيرها من الخدمات الأخرى.
- القيام بأنشطة التعمير والإصلاح والرعاية الاجتماعية، والحفاظ على السياسات المالية والإدارية لمنظمات الدولة العليا.
- تعريف الإدارة العامة الحديث يضمن النجاح لأي مؤسسة في المجتمع، فهي تعتبر وسيلة لتنفيذ سياسات الحكومة بشكل فعال ودقيق، بما يعود بالنفع على المؤسسات المجتمع وفئات الشعب المختلفة.
خصائص الإدارة العامة
الإدارة العامة لها تأثير كبير في حياة المواطنين، فهي التي تقوم بتنفيذ سياسات الدولة، والتي بمقتضاها يرتفع مستوى المعيشة، وينعم المواطنين بالمساواة والرخاء، بالإضافة إلى أهميتها للعاملين داخل المنظمات المختلفة، والتي تضمن لهم حقوقهم المجتمعية المختلفة، وترتبط الإدارة العامة بالمستوى القومي للدولة، ويمكن تحليل خصائص الإدارة العامة في النقاط التالية:
النشاط الإداري
تعد الإدارة العامة نشاطاً إدارياً يتعلق باستخدام الموارد الطبيعية والبشرية لخدمة الصالح العام، وتحقيق مصالح المواطنين في المجتمع والعاملين بالمؤسسة، بالإضافة إلى الوصول بالكفاءة الإنتاجية إلى أعلى درجاتها، بما يضمن إشباع احتياجات المجتمع الأساسية، وضمان توفير سبل الرفاهية المختلفة.
نشاط إنساني متكامل
يمكن الإشارة إلى الإدارة العامة على أنها نشاط إنساني متكامل، فتحقيق الأهداف الحكومية وتطبيق سياسات الدولة المختلفة لا يتعارض مع الاعتبارات الإنسانية للأفراد، بل يجب وضعها في المقام الأول، وتوفير المناخ المناسب للعمل، من خلال إشباع رغبات العاملين في الوظائف العامة التي يتكون منها الجهاز الإداري.
تنفيذ سياسات الدولة
تعتبر النظرة التي اتفق عليها الباحثين عند تعريف الإدارة العامة، وهي الحرص على تطبيق سياسة الدولة، التي تحددها السلطات السياسية والقيادية بالدولة، ليس هذا وحسب، بل والمشاركة في وضعها، حيث الإدارة العامة تجمع بينها وبين تقديم الخدمات للمواطنين.
التأثير والتأثر
تتأثر الإدارة العامة بظروف المجتمع المحيطة به، المتمثلة في النظام السياسي القائم بتسيير الأعمال، إضافة إلى القيم والمعتقدات الإجتماعية الراسخة في المجتمع، والظروف الاقتصادية وما يحيط بها من تغيرات، وفي الوقت ذاته تؤثر في الفرد والمجتمع، فتضمن للأفراد حقوقهم وضمان مستوى معيشة مناسب لهم، وتضمن للمجتمع توفير السلع والخدمات وكافة سبل الرخاء، لخدمة الصالح العام.
تكامل أهداف الإدارة العامة
تتضمن الإدارة العامة بعض الأهداف الفرعية، والتي تشمل نظام الأهداف الشخصية للأفراد وكل ما يتعلق به، نظام الأهداف الجماعية للجماعات الصغيرة وكيفية توفير المناخ المناسب لتحقيق أهدافها، ونظام الأهداف التنظيمية للمنظمة، ونظام الأهداف العامة للمجتمع، ويحدث التكامل بينهم بواسطة الإدارة العامة والتي تعد التربة الخصبة التي تجمع بين تلك الأهداف.
الارتباط بين السياسة والإدارة العامة
بطبيعية الحال يمكن فهم السياسات المختلفة للدولة من خلال نظم الإدارة العامة المختلفة، فهي تعمل فيها وبها، وترتبط ارتباطا جذرياً بها، بالشكل الذي يجعلها كأعضاء الجسد الواحد، التي تعمل في آن واحد وبطريقة منظمة، وتضمن إشباع احتياجات الإنسان الأساسية، للبقاء على قيد الحياة.
وظائف الإدارة العامة
تحمل الإدارة العامة العديد من المهام على عاتقها، منها ما يتعلق بالتخطيط ورسم خارطة الطريق، والتنظيم الإداري الذي يسعى لتوفير الاحتياجات الأساسية، ومنها ما يتعلق بالتنسيق والإتصال، وأيضاً الرقابة على سير العمل، وضمان تكامل القطاعات المختلفة داخل المنظمة، بما يضمن تحقيق أهداف المنظمة والمجتمع ككل، وتتمثل مهام أو وظائف الإدارة العامة في الآتي:
التخطيط
يعتبر التخطيط من أهم وظائف الإدارة العامة، فهي بمثابة حبة النوى لأي فكرة تنفذ داخل المنظمة، وتساعد عملية التخطيط على مواجهة التحديات المستقبلية التي تواجه المنظمة، وتمكن القائد الإداري من تحديد الهدف المنشود التي تسعى المنظمة إلى تحقيقه، بالإضافة إلى الوقوف على الأدوات وأقل تكلفة مناسبة لتحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل الأعباء الملقاة على عاتق الدولة.
التنظيم الإداري
يسعى التنظيم الإداري إلى توفير الحاجات الأولية لإشباع الاحتياجات المتجددة للمواطن بشكل عام، والعاملين في المنظمة بشكل خاص، فخاصية التنظيم تعمل على استغلال الطاقات البشرية، ودراسة الأعمال التي من المفترض القيام بها، حتى لا يتم إهدار تلك الطاقات في الأعمال الغير مفيدة، وتقسيم العمل وتحديد المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، لإنجاز الأعمال في أسرع وقت.
القيادة
أهم جزء في نظام الإدارة العامة، فالشخص الذي يتمتع بصفات القيادة، المتمثلة في الحكمة والدراية الكاملة لمتطلبات العمل والمتغيرات التي تحيط به، بالإضافة إلى القدرة على اتخاذ القرار المناسب في أصعب الأوقات، يستطيع أن يقود دفة المنظمة بنجاح، كما أنه سيتم محاسبته على الفشل والإهمال إن وجدُ، لذلك تعتني الحكومات والقيادات العليا بمنصب القيادة، واختيار الأصلح له وفقاً للخبرة والقدرات الشخصية.
الاتصال
عملية التواصل بين الرئيس والمرؤوس هي مسئولية الإدارة العامة، والتي تعمل كحلقة وصل بينهم، وتقوم بنقل التعليمات والأوامر التي تفرضها الظروف المحيطة وصعوبات العمل من الرئيس الإداري صاحب الكلمة العليا، إلى المرؤوسين، بالإضافة إلى إمكانية إيصال وجهة نظر المرؤوسين بالأعمال التي ستعود بالنفع على المؤسسة، وكذلك تجنب الأعمال التي ستلحق ضرراً بها، والتعبير عن مشاكلهم ومتطلباتهم، ولكن هذا يتم من خلال تدرج وظيفي، يضمن سير العمل بالشكل الصحيح.
التنسيق
تقوم الإدارة العامة بعملية التنسيق بين قطاعات المنظمة المختلفة، وتحديد خصائصها وأعمالها، بالشكل الذي يضمن سير العمل في شكل متناغم ومتناسق، كما تشمل عملية التنسيق نطاق أوسع، يضم الإدارة والسلطة السياسة، بجانب الهيئات المحلية والجماعات ذات المصلحة.
الرقابة
تعمل الإدارة العامة على فرض الرقابة على الاستراتيجيات المختلفة داخل الكيان الإداري للمنظمة، فهي بمثابة عين القائد داخل المؤسسة، والتي تنقل له جميع المعلومات التي تتعلق بتنفيذ الخطط لتحقيق الأهداف المرجوة، وتشمل الرقابة على الرقابة الإدارية، والقضائية، والسياسية، وكل منها تمارسها جهة متخصصة، وبشكل مستقل عن الأخرى.
نظراً للتطور المستمر الذي يشهده المجتمع والظروف السياسية والإدارية، ظهرت العديد من المفاهيم المرتبطة بالإدارة بوجه عام، والتي تتشابه فيما بينها وبين مفهوم الإدارة العامة، مثل إدارة الأعمال والإدارة العمومية، إلا أن الإدارة العامة تختلف كلياً عن غيرها من المفاهيم، نظراً لارتباطها بتنفيذ سياسة الدولة والإشراف عليها.
تعريف الإدارة العمومية
مفهوم الإدارة العمومية ظهر في العصور القديمة، بخاصة على يد الفيلسوف سقراط، والذي أسس حجر الأساس لجعل الإدارة مهنة كغيرها من المهن الأخرى، بحيث لا تكون مقتصرة فقط على الإدارة، بل تمتد لتشمل مجالات أخرى داخل المنظمة الواحدة، بمعنى آخر إدارة أكثر من تخصص وخدمة إنتاجية داخل المنظمة الواحدة.
هو بذلك يختلف عن مفهوم الإدارة العامة، الذي يساهم في بناء سياسات الدولة العليا، وتمتد مهمته إلى تنفيذها على أرض الواقع، وتعتمد الإدارة العامة على ميزة التخصص، ووضع كل شخص في مكانه المناسب، وتوفير قنوات اتصال مع النطاقات والمنظمات المختلفة، بما يصب في مصلحة المواطن والمجتمع بشكل عام.
تعريف إدارة الأعمال
إدارة الأعمال تعني الطريقة أو التصرف الإداري الذي يتم اتباعه للإشراف على عمل المؤسسة ككل، فهي تهدف إلى الجمع بين عناصر المنظمة المختلفة، وتوحيد العاملين بالمنظمة من أجل تحقيق الأهداف الموضوعة سلفاً، كما يمكن تعريفها على أنها طريقة الإدارة التي تهتم بتحقيق الأهداف الخاصة بالمنظمة، اعتماداً على عدة خصائص، متمثلة في القيادة الكفء، والتنظيم الجيد، والسيطرة الصارمة، والتخطيط البناء.
علاقة الإدارة العامة بإدارة الأعمال
تتميز العلوم بارتباطها ببعض بشكل كبير، فقد يكاد يتشابه تعريف الإدارة العامة وإدارة الأعمال فيما بينهما، وكيف لا، فقد وُلد المفهومان من نفس الرحم، المتمثل في الحاجة إلى قضاء وتحقيق الأهداف الخاصة بالمؤسسة، وتلبية الاحتياجات الأساسية للعاملين داخل المنظمة، في إطار بعض القواعد والنظم المحددة، والتي تضمن سير العمل بكفاءة عالية.
أوجه الاختلاف الإدارة العامة وإدارة الأعمال
على الرغم من تشابه تعريف الإدارة العامة وخصائصها بمفهوم إدارة الأعمال، وتأثير وتأثر كل علم بالآخر، إلا أن هناك بعض الاختلافات الواضحة بينهما، والتي تتعلق بالأهداف – من حيث المحتوى والطريقة وليس المضمون العام – بجانب المرونة وعملية الإشراف والمتابعة، بالإضافة إلى أسلوب العمل الذي يتبعه كل علم، والذي يختلف عن الآخر، وتتمثل أوجه الاختلاف في النقاط التالية:
الهدف
تهدف الإدارة العامة إلي خدمة المواطنين وتقديم المنافع العامة لهم، وتلبية احتياجاتهم الأساسية دون أن يكون هدفها الربح، فالهدف الأساسي هو توفير حياة ملائمة للمواطن، حتى وإن تكفلت بالخسائر – إن وُجدت -، لذلك يتم قياس كفاءة الإدارة العامة بقدرتها على أداء الخدمات، وتحقيق آمال المواطنين.
أما إدارة الأعمال فهي تهدف بشكل رئيسي إلى الربح، وذلك من خلال إنشاء المشروعات الاقتصادية، وتنمية الموارد الطبيعية والبشرية، لاستغلالها لمصلحتها فقط، لذلك تقاس كفاءة إدارة الأعمال في ضوء الأرباح السنوية وعائد الاستثمار، ونسبة الخسائر في كل مرحلة.
الإشراف
تهتم الإدارة العامة بتنفيذ السياسات العامة للدولة، وبذلك فهي تخضع لسلطة الدولة الثلاث، التشريعية والقانونية والتنفيذية، لذا وجب الحرص على الموظفين بتأدية واجباتهم مع مراعاة القوانين السياسية التي تحكم العمل واتخاذ القرارات، أما إدارة الأعمال فتخضع للشكل القانوني للمشروع، وبناءاً عليه يعمل الموظفون بكفاءة عالية، وبالتالي فإن أفعالهم وقراراتهم ضمن لوائح وقوانين المشروع، والتي تختلف من مشروع لآخر، والإشراف يتم من قبل رئيس مجلس الإدارة، الذي يخضع للمساءلة من قبل الجمعية العمومية للشركة والمساهمين.
التطبيق
تُطبق الإدارة العامة في المنظمات الحكومية بهدف تحقيق أهدافها بما يخدم كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالدولة، على عكس إدارة الأعمال التي يتم تطبيقها في المنظمات الاقتصادية، بهدف تحقيق الربح وتنشيط العمل الاقتصادي فقط.
المساواة
تعتمد الإدارة العامة بشكل رئيسي على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين، وعدم التفرقة فيما بينهم، كذلك الحال أيضاً بين موظفيهم، بتوفير احتياجاتهم الأساسية، دون تمييز فرد عن الآخر، أما إدارة الأعمال فتهتم بمصلحة الملاك وأصحاب رأس المال، فهم من يتأثرون بالنتائج سواء بالسلب أو الإيجاب.
المنافسة والاحتكار
تغيب المنافسة في الإدارة العامة، فهي تعمل لصالح مؤسسات الدولة ووفقاً لسياستها، ومؤسسات الدولة تقوم باختصاصات مختلفة عن بعضها البعض، ولا يمكن ممارسة الاحتكار بشكل كبير، أما إدارة الأعمال فتعد المنافسة هي المعيار الذي يحدد مدى نجاحها، إلا أن الاحتكار يكون أمراً استثنائياً.
الإدارة العامة إحدى فروع علم الاجتماع، والذي ظهر كنتيجة للتطور الاقتصادي، الذي استلزم وجود قوانين وضوابط للسيطرة عليه، واكتسب المفهوم أهميته لارتباطه بشكل وثيق بسياسات الدولة، التي تتحكم في مجالات الحياة المختلفة، فلا يمكن فهم ومعرفة سياسة الدولة وما تضعه من ضوابط وتشريعات وقوانين، إلا من خلال الدراية الكاملة بخصائص ووظائف الإدارة العامة.